أدب الستاتوس

أدب الستاتوس

أغسطس 20, 2012

خلود الزغير19 آب 2012 أفرزت كثافة الأحداث / المشاعر للثورة السورية نتاجاً أدبياً جديداً يمكن تسميته “بأدب الستاتوس”. يعتمد أولاً: على أحد الوسائل “المادية” التي قامت عليها الثورة ك(الفيسبوك)، وثانياً: يحمل روح الكثافة التي يصنعها الحدث مكانياً وزمانيّاً وشعورياً أيضاً.فالستاتوس كنمط أدبي، يعكس، في زحمة الموت اليومي والتظاهر الليلي والنهاري والتخفي وتأمين الإغاثة لمئات الآلاف من المهجرين والمنكوبين والخوف والترقب، حالة ضيق الوقت والنفس لقراءة المقالات الطويلة والتحليلية دائماً. لذلك يصبح القبض على اللحظة وإبرازها للضوء كثيفة ومحددة كومضة وانتشارها أشبه بمظاهرات طيارة تربك وتترك أثرها اللافت إلى جانب الحضور المرافق والثابت للمقالة كنمط أدبي تقليدي.يظهر الستاتوس كنتاج ثوري أيضاً من حيث تجاوزه للطبقية النخبوية (ثقافية / سياسية / اقتصادية) التي كانت تميز شرائح معينة قبل الثورة كان من الصعب الوصول لها ومخاطبتها وإذا حصل في مناسبة ما سيُفرض على الحوار التكلف والمجاملة.إن الثورة التي هدّمت فكرة الأب / الرمز على الأرض، جسدها الستاتوس عبر مناخ الحوار الحر والجدل الذي خلقه بين أدباء وسياسيين وناشطين وأناس لم يجربوا سابقاً الكتابة أو النقاش الأدبي أو السياسي. هذا النص المكثف الذي يتناول فكرة محددة بلغة جاذبة للحوار أومستفزة أحياناً، جعلتنا ندخل عالماً أقصينا عنه بفعل الاستبداد. بعد أربعة عقود من القطيعة التاريخية والمعرفية عن فن الحوار والجدل تُعلمنا تقاليد الستاتوس اليوم احترام رأي الآخر بغض النظر عن الآخر واحترام الآخر بغض النظر عن رأيه، ولو بصعوبة وبعد خلافات.إن أدب الستاتوس وثقافته أطلقت الحوار من أَسْرِ النخب وجعلته مادة متداولة بيد الجميع، ورغم الانزلاقات التي نراها في الخطابات المنتشرة هنا وهناك لكننا ببساطة نعيش الآن مرحلة كَشْف بعد تستّر عَمِلَ فيه العفن ما عمل، وإذا لم يظهر كل هذا للشمس لن يتم الفرز بين الأصلح للبقاء والأقل صلاحية. هنا تظهر قوة وفاعلية هذا النوع من الأدب الذي نشأ في خضم الثرثرة الفيسبوكية والانفعالات المنفلتة كموازن ومعادل موضوعي لما يقال هباءً.لذلك، ولأن كل جنس يقاوم فنائه، ظهر بالثورة ميكانيزمات تعمل على توثيق هذه اللقطات الإنسانية الشعرية أو الأدبية أو التحليلية لما تملكه من لغة عالية سواء بروح ساخرة أو متألمة أو عقلانية. فظهرت صفحات مختصة ومؤخراً جرائد تفرد صفحة لما يسمى بأدب الستاتوس، كي لا يبقَ القبض على اللحظة حالة افتراضية عابرة ومن ثمّ منسيّة.نذكر في السنة الأولى للثورة مجموعات متعددة ومتنوعة من الشباب والمثقفين شكلوا صفحات أدبية ثقافية ليتبادلوا فيها نتاجهم ونقاشهم، لوحظ في الأشهر الخمسة الأخيرة تلاشي بعض هذه المجموعات أو تغيير مسارها العام بعد التصعيد الدموي بخط الثورة. هل اعتقل أو استشهد معظم أعضائها أم طغى صوت السلاح على الأدب والحوار؟بينما استمر بعضها وتشكل صفحات جديدة عملت على متابعة مجمل ما يكتب سواء من مثقفين وكتاب أو من شباب برزت أقلامهم في فترة الثورة وبسبب اتاحة الفرصة لقرائتهم. أذكر منها مثلاً: صفحة top comment، سوريا في عيون المثقفين وهي صفحة تعمل على جمع الستاتوسات المميزة الخاصة بالثورة لكتاب سوريين وعرب. أيضاً تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية، صفحة أعلام الحرية، وجرائد مثل: جريدة سوريتنا، عنب بلدي، سوريا بدا حرية خصصت بآخر كل عدد صفحة خاصة بالستاتوس تعتمد على صفحات المثقفين مع اختلاف توجهاتهم.أما الستاتوس السوري الأبرز في الثورة فكان ستاتوس الكوميديا السوداء، اختصت به صفحات وثّقت الحدث/اللحظة من تصريحات شخصيات النظام والمعارضة والمجتمع الدولي وحتى الوجع الشعبي من اعتقالات وموت بلغة مميزة ومخيلة لافتة جعلت من هذه الصفحات أكبر التجمعات للمعارضين والصامتين أيضاً. لكن تميّز حضورها يأتي مما شكلته من دعم معنوي للثوار لا يمكن وصفه ومقارنته إلاّ بالأعراس الليلية التي يقيمها المتظاهرون بعد دفن شهدائهم. أول هذه الصفحات “مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات” الذي بدأت على إثر نزول دبابات الجيش السوري للشارع بمواجهة المظاهرات السلمية، فكانت الصفحة عبارة عن ستاتوسات ساخرة يكتبها مجموعة أدمنز هم “الشغيلة” في هذا المغسل والمشحم النادر المختص بالدبابات التي أصبحت تنافس السيارات بإنتشارها في شوارع سوريا.(صفحة الثورة الصينية ضد طاغية الصين وصفحات أخرى: كلنا جراثيم- الثورة القطرية ضد الشيخ حمد وموزة – اضحك مع النظام السوري… الخ)شخصياً، أنظر للستاتوس من منظورين، الأول كشاعرة، فأراه نمط أدبي جديد كثيف، رشيق، موجع ولا يخلو من بسمة أمل أو فلسفة حياة، يوثق اللحظة على جناحي فراشة أو في قلب حجر.. يشبه الثورة الآن، أما غداً قد يشبه شيئاً آخراً شبيهاً بالغد.. فهو نمط أدبي مفتوح.المنظور الثاني كباحثة اجتماعية، فأجد أن الستاتوس هو مادة غنية للبحث والتحليل الاجتماعي مستقبلاً، فمنذ الآن ألاحظ جليّاً وأرصد أيضاً الخط البياني الكمي والكيفي (بالمعنى التحليلي الاجتماعي للخطاب) لدى بعض الأصدقاء منذ بداية الثورة وحتى الآن. أسئلة ملحة تنتظر البحث والدراسة عن تأثير ظروف الثورة بالخطاب أو العكس، كيف تطورت صياغة الستاتوس وتبدلت عند بعض الأشخاص من السلمية لتشجيع التسلح أو للتحريض الطائفي؟ كيف ولماذا تتكتل مجموعة معينة لتشكل صفحة معينة وما هي الأسس التي تربطها؟.. الخالستاتوس قد يكون مجرد فشة خلق لحظة الكتابة ولكن مجرد نشره للعموم يصبح مادة موجهة للجمهور من جهة ومادة تحليل ونقد من جهة أخرى. وفي زمن الثورات الشعبية تبدو النتاجات الشعبية وحواراتها أشبه باللاوعي الجمعي لهذا الشعب بلحظة معينة من تاريخه وهي أكثر لحظاته حميمية وكشفاً وشفافية ولكن ليس أكثرها عقلانية وحكمةً.المصدر: جريدة سوريتنا