حلّ الأزمة السورية ومعيقاته

أغسطس 3, 2012

د. نيكولاس فان دامحلّ الأزمة السورية ومعيقاتهمقدّمةيُظهِرُ غالبية البشر ضعفاً في مقدراتهم حين يتعلّق الأمر بوضع خطط وسيناريوهات للمستقبل، ولعلّ قصور الخيال وهو أمرٌ شائع للغاية يقف خلف ذلك الضّعف، لذا فإنّك تجدهم أكثر قدرةً على تصوّر مرحلة تالية لحدثٍ معيّن بعد انقضاء جزء يسير من سيرورته. ثمّة ناحية أخرى متّصلة الأهمية في هذا الشأن تتلخّص في نزعة عامّة لدى النّاس لخلط ما يُعرَف بالتفكير الموضوعي مع ما يمكن وصفه بالتّمنّي.أمّا في الحالة السورية فلدينا ما يفوق ذلك لجهةِ أنّ أحداً لا يرغب بأن يقدّم تحليلاً قد يُنظَرُ إليه أو ربّما يتم تفسيره على أنّه يتعارض أو يسبّب حرجاً لأولئك السوريين الشجعان ذوي المقاصد الطيبة والسلميّة الذين يناهضون طغيان الأسد والذين لم يتمكنوا حتى اليوم من تحقيق هدفهم في الاننقال إلى سوريا الحرّة والديمقراطية. ويُفهمُ في هذا السياق الانتقاد اللاذع الذي ساقته المعارضة ضدّ بعض الأكاديميين الذين أشاروا في معرض تحليلاتهم منذ المراحل الأولى لانطلاق الثورة السورية إلى أنّ تلك الأخيرة لم تكن سلمية بحتة وأنّ معارضي الأسد استخدموا السلاح والعنف ضدّ قوّات الأمن والجيش السوريّيْن. إنّ رواية كهذه من شأنها أن تدعم رواية النظام في تصدّيه لـ “مجموعات مسلّحة” علاوةً على أنّها تسهم في تقويض الشرعية الأخلاقية التي تستند إليها المعارضة. كيف لنا إذاً أن نجري تقييماً موضوعيّاً من الخارج لما يدور في سوريا؟ وهل بالإمكان الحصول على صورة موضوعية في خضّم التقارير المتنوّعة التي يتداولها الإعلام، سواء تلك التي تصدر من قبل المعارضة أو النظام على حدٍّ سواء؟ وهل علينا أن نأخذ تصريحات النظام السوري حول “العصابات الإرهابية المسلّحة” وما يدعوه بنوايا “الإصلاحات السياسيّة” على محمل الجدّ؟ وماهي رؤية الناس في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب مثلاً؟ سيّما وأنّ بعضهم قد أرسلوا لي مع بداية الأحداث بأنّهم بالكاد شهدوا بعضاً من الأحداث الدامية وأنّ كل شيء يبدو “هادئاً نوعاً ما”، غيرَ أنّ ذلك لا يعني بأنّ الواقع ليس خطيراً في مناطق أخرى، لدى الناس رواية مغايرة في مناطق أخرى مثل حمص وحماه وإدلب ودرعا نتيجةً للحصار وللعمليات العسكرية الضخمة التي شهدوها، وحتى في دمشق وحلب فقد تغيّر الوضع تدريجيّاً وارتفعت وتيرة العنف كما أنّ مظاهرات كبيرة في تلك المدن من شأنها أن تترك أثراً كبيراً في الوضع العام. وتبقى الحقيقة الأكثر جلاءً وهي أنّنا أمام تقارير تتحدث عمّا يزيد عن 14.000 ضحيّة في صفوف المعارضة
، وقد كان من الواضح أن خطة أنان في هذه المرحلة تمثل الاحتمال الوحيد الأكثر واقعية للمساعدة على حل الأزمة من خلال الحوار والوسائل السلمية، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لخطة أنان ذات النقاط الست، كما يطلق عليها، من قبل كثيرين كونها تمثل فشلاً منذ انطلاقها، بقيت حتى وقت كتابة هذه السطور(4 يونيو حزيران 2012) “اللعبة الوحيدة المتاحة” للمساعدة على إيجاد حل سلمي، لذا ينبغي النظر إليها بالقدر الكافي من الأهمية.ما هو الخيار الأفضل أو “الأقل سوءً”؟بعدَ أنْ سَرَدنا بعضاً من الاحتمالات المتوقعة للسيناريوهات المستقبلية في سوريا، نصل إلى خلاصة مفادها أنّ أفضل خيار ممكن أو “أقلّ الخيارات سوءً” والذي يمكن له أن يساعد على إيجاد حالة يمكن من خلالها أن تصل الديكتاتورية الحالية إلى اقتناع بأنه من الأفضل أن تتخلّى عن السلطة بأسلوب منظّم لصالح آخرين يمكنهم بالتالي تولّي قيادة البلاد قدماً من خلال إصلاحات سياسية نحو الديمقراطية، على أن يتم منحها في الوقت نفسه فرصة لترك البلاد مع ضمان عدم الملاحقة القانونية.وقد يكون هناك أكثر من خيار واحد يمكن من خلاله التفكير في تغيير الرئيس أو النظام، بحيث يكون مقبولاً من قبل النظام خلال مرحلة الحوار والمفاوضات، وقد يكون إعطاء الموضوع وقتاً كافياً بهدف تحقيق النتائج المرجوّة أفضل من الاستعجال والانزلاق نحو مزيد من العنف والتوّرط في فخ الحرب الأهلية، كمان يبدو من الحكمة القيام بجهد حقيقي للتأكد من عدم تعرّض الطائفة العلويّة إلى مخاطر فعليّة، مثلها مثل باقي الأقليّات التي يبدو أنها تدعم النظام خوفاً من البديل القادم.من شأن سيناريو كهذا أن يحقن الكثير من الدماء، فالإصرار على مقاضاة قلب نظام الأسد وتحقيق العدالة الحقيقية سيؤدي فقط إلى جعل تلك المجتمعات تكافح بهدف البقاء، وسيزيد من احتمال استعار حرب أهلية مدمرة ستؤدي إلى إزهاق الكثير من الأوراح دون أي يقين من إمكانية تحقيق سوريا أكثر وأفضل ديمقراطية (أو أقل ديكتاتورية) بالنتيجة.لطالما دارت الأحاديث حول مسألة التدخل العسكري، إن إسقاط النظام بوسائل عسكرية لا يعني مطلقاً بأي حال من الأحوال بأن التالي سيكون تطبيقاً للديمقراطية، فالتدخل العسكري سيزيد من خطر اندلاع حرب أهلية طائفية لا تعرف الرحمة ولن يكون باستطاعتنا التنبؤ بنتائجها، ناهيك عن كونها غير مرغوب فيها، ودعونا نتخيّل فقط إنْ قامت قوات أجنبية بمساعدة الشعب من الغالبية السنية للتمكن من السيطرة على السلطة، وأدى ذلك بالتالي إلى وقوع انتقام دموي من الأقلية العلوية، التي حكم أفراد منها سوريا على مدى نصف قرن تقريباً، هل ستقوم هذه القوات الأجنبية نفسها بعد ذلك “بتبادل الأدوار” بهدف حماية الطائفة العلوية التي كان أفرادها فيما سبق بين المؤيدين للنظام والذين ستتعرض حياتهم بالتالي إلى تهديد خطير؟ من حيث المبدأ، ستتحمل تلك القوات الأجنبية مسؤولية حماية العلويين كجزء من مهمتها، وسيعني الأمر كذلك بأن قوة عسكرية تتألف من بضع مئات من الآلاف قد تبقى في سوريا لعدد غير محدد من السنوات، غير أنّ خيار كهذا لم يعد موضع ترحيب دولي خصوصاً بعد الحرب في العراق وأفغانستان لأنّ عملية كهذه ستبدو بلا نهاية.كذلك فقد تم اقتراح فكرة إنشاء ملاذات آمنة، إنّ إنشاء ملاذات آمنة في مكان ما على الحدود سيتضمن احتلال مقاطعات سورية، وبالتالي اندلاع حرب مع النظام السوري، وعلى الأرجح ستكون نتيجة ذلك تعريض السكان المحليين لخطر أكبر، إنّ إنشاء ملاذ آمن على إحدى المناطق الحدودية لا يعني بأي حال من الأحوال بأن السوريين الموجودين في مكان ما بعيداً عن تلك الملاذات سيتمكنون من الوصول إليها وبالتالي تأمين الحماية لهم كذلك، وربما يبدو اقتراح هدنة لإيصال المساعدات الإنسانية في المناطق المحددة التي تحتاج إلى المساعدة خياراً أكثر واقعية.تزامناً مع انخراط النظام السوري في الحوار، على المعارضة السورية أيضاً أن تكون مدعومة، ليس فقط المجلس الوطني السوري الموجود في الخارج، ولكن أيضاً لجان التنسيق المحلية وجماعات المعارضة السلمية الأخرى التي تعمل داخل البلاد على الأقل بذات القدر من الدعم، من ناحية أخرى فأنّ تسليح الجيش السوري الحر ومجموعات المعارضة الأخرى قد يسهم في تصعيد العنف أكثر ويعيق التوصّل لأي حل سلمي.لا يمكن القول بوجود أي ضمان حول إمكانية التوصل إلى حل سلمي عن طريق الحوار، إنّما يستحق الأمر بذل الجهود للمحاولة وسط غياب أي بدائل واضحة و مرضية.في النهاية يجدر بالحوار أن يكون بين السوريين أنفسهم للتوصّل إلى حلّ.والسؤال الرئيسي الذي يبقى رهن الإجابة: كيف يمكن الخلاص من الديكتاتورية لمساعدة سوريا في الحصول على المستقبل الأفضل الذي تستحقه وفي نفس الوقت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح السوريين. المصدر: http://freesyriantranslators.net/2012/07/30/%D8%AD%D9%84%D9%91-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%B9%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%87/#more-4832