«حيطان سراقب» و «كرتونة دير الزور»: الإبداع في مواجهة الظلم

«حيطان سراقب» و «كرتونة دير الزور»: الإبداع في مواجهة الظلم

سبتمبر 26, 2012

عبد الحاجالأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ «أريحا… تاهت عيناي بين حمرة الدماء في خاصرتك وحمرة الكرز الموعود بالحرية، أريحا قطافك حرية ياحزينة الحياة»، هذه العبارة ليست شعاراً مرفوعاً في تظاهرة، ولا كلمات أغنية يرددها ثوار سورية. إنها لسان حال جدران مدينة سراقب التي كادت تنفجر من الظلم. هذه المدينة التي تقع في الجزء الشرقي من محافظة إدلب في شمال سورية، اختار أهلها أن يقاوموا النظام المستبدّ بسلاح جديد، فتوجهوا إلى شوارع مدينتهم وحوّلوها معرضاً يعكس مدى انتمائهم إلى وطنهم.الثورة الجدارية لم تكتفِ بحيطان المدينة، بل تعدّتها إلى الحياة الافتراضية، إذ قامت مجمـــوعة من الناشطين بإنشاء صفحة على موقع «فايـــسبوك» بعنوان «حيطان سراقب». تحوي هذه الصفحة بطــاقة تعريف بسراقب كتبوا فيها: «هذه حكاية مدينة، حكاية الحرية، تخطّها أنامل شعب يرفض الذلّ ويأبى إلا أن يكون حراً».تظهر في الصفحة كثير من الرسوم والكتابات المخطّطة بحرفية وبصنعة فنية عالية على حيطان المدينة الصامدة. وتتنوع بين كتابات تؤيّد الثورة وأخرى تحمل رسائل للشهداء والمعتقلين والمفقودين، ورسوماً لأطفال تحاول التخفيف عنهم وإعطاءهم أملاً بأن إرادة الحياة ستنتصر رغم كل شيء.يقول أحد الناشطين في المدينة الذي رفض ذكر اسمه كي لا يُصبح في غياهب اللهب: «حيطان مدينة سراقب تحمل رسائل إلى كل سوري وكل عربي وكل شعوب العالم الحرّ، تُعرّفه بسورية الجديدة، سورية الحرية».بعد جولة على مجموعة الجداريات هذه، ندرك مدى تشكل هم سوري عام، فهي تتعدى كونها مجموعة رسوم على جدران نصف مهدومة، وبعضها مرسوم على أنقاض بيت أحدهم. فتجد عبارات عن مدينة حمص مكتوبة على أحد الجدران مثل: «في حمص لا يزال الكبرياء سيد الموقف، ودماء بطعم الزهر والحب والحرية ما زالت تروي في صمت التاريخ ثمن الحرية». وعلى جدار آخر خطّ أحدهم خلسة قبل أن يصطاده القناص: «داريا… خلص الحكي والحيطان صارت دفاتر الريح. ضمني يا وطن إنتا. ياطفل جريح».وفي إحدى الصور الموجودة على الصفحة تظهر عبارة «درزي، علوي، مسيحي، سني، الشعب السوري واحد» في رسالة مفادها رفض الفتنة الطائفية.ويؤكد أحد مؤسّسي صفحة «حيطان سراقب» على «فايسبوك» لـ «الحياة»: «أنت في معركة مع الأقوياء، لا تملك فيها سوى اجتراح فعل الإبداع سلاحاً تحارب به. وإذا كان الفن مرآة الوجود فإنه لا ينفصل عن الحرية لأنها أساس الوجود أيضاً». فيما يعتبر أحد رسامي سراقب أن رسمه «فيض من رماد الموتى». ويضيف: «نحاول أن نوصل رسالة مفادها بأن هؤلاء الموتى والشهداء باقون بيننا. لن نساوم على دمائهم. فالواقع لم يعد جميلاً ونحن ندرك ذلك. لكن الحياة هنا ممكنة أكثر بين هذه الحيطان». كرتونة دير الزورترحّب صفحة «كرتونة من دير الزور» على «فايسبوك» في بطاقة تعريفها، «بكراتينكم المرفوعة مهما احتوت من فنون شرط ألا تدعو إلى الطائفية»، كما ترحّب برسوم الأطفال وتدعم نشرها. وجاءت فكرة إنشاء هذه الصفحة، بحسب القائمين عليها وهم من الناشطين المسالمين والمدافعين عن سلمية الثورة حتى اليوم، «من لون «السبورة» أو اللوح الأسود في الصفوف القديمة والطبشور، ومرجعية هذا اللون الذي يعكس مرحلة معينة من تاريخ سورية». وتهدف الصفحة إلى رفع التعتيم الإعلامي عن المدينة وإلى رفع الشعارات المدنية والصوت المطالب بالمواطنة والتأكيد على سلمية الثورة، ونشر التوعية بين أبناء دير الزور أنفسهم بعبارات ومفاهيم بسيطة وموجزة».وتحضّر مجموعة الناشطين نفسها، لإطلاق حملة بعنوان «أنا مدني رغم حملي للسلاح» تهدف إلى إعداد الشباب من حاملي السلاح والمدنيين على حدّ سواء، نفسياً من أجل إعادة السلاح، والبدء بالإعمار بعد انتصار الثورة. لذا قد ترى كرتونة يتناقلها السوريون ومن يناصر ثورتهم، متأهبة للحملة الجديدة من خلال عبارة: «مدنيون رغم كل هذا السلاح».ويعمل القائمون على الصفحة حالياً على إنتاج فيلم قصير (دقيقة واحدة) عن حصار دير الزور، يحمل في مشاهده كولاج أو مزيجاً من الرسوم على الكرتونة السوداء، إضافة إلى بعض الأغراض التي جمعت من بقايا دمار المدينة ومجموعة من صور الشهداء.ويرى مؤيد اسكيف منظم قافلة الحرية إلى سورية، أن «هذه اللافتات والجداريات تعبّر عن ضمير الثورة، هي صرختها وصوتها الأكثر شرعية، تأخذ منها ما يشبه الخلاصات، تعليق على الحدث وما وراء الحدث بجمل مختصرة». ويضيف: «هذه الشعارات واللافتات ممزوجة بالدم، وفي كثير منها قيم أخلاقية وإنسانية ذات مضمون عال. ليست مؤدلجة، لذلك بإمكان أي سوري أن يرفعها أو يرددها أو يحتفظ بصورتها. وليست متحزبة بغالبيتها وهذا يعبر عن نبض الثورة الوطني».ويفيد: «لو كان للـ «المنحبكجية» أو لموالي النظام روح رياضية وثقافة تقبل الآخر لرفعوها على صفحاتهم الشخصية وتبنوا مضمونها، لكونها تعبر عما يدّعون أنها مطالبهم أيضاً. لكن هذا غير ممكن بل يكاد يكون مستحيلاً لأنهم يدركون أنها ستكون تُهمة تعرّضهم للاعتقال».اليوم أصبحت هذه الجدران واللافتات جزءاً من حياة الناس وممارساتهم اليومية، فهي تشكل عنصر اتصال مهم، ومنفذاً نحو العالم الخارجي. كما تشكل جزءاً من البيئة التي تعيش فيها هذه البلدات والمدن. وقد أثبت فن الغرافيتي واللافتات والرسم على الجدران، أنه أصدق تعبير عما يختزن العقول والقلوب من انفعالات وأحاسيس، وربما هو محاولة لإيصال رسالة معيّنة موجهة نحو الكون. المصدر: الحياة