سوريا؛ كما نريد، أم كما تريد؟
محمد الجيروني01-09-2012 كان أحد اللبنانيين يقول لي قبل الثورة: “نيالكون” أنتوا السوريين، ما عندكون كل كبير يتئاتل مع التاني، عايشين بألفة وهاديين. فكنت أرد عليه: شايف يللي بلبنان، والله لتشوف عشر أضعافو إزا مو أكتر بسوريا، بس عطيها – لا سمح الله – شرارة.وكانت الشرارة، هي الثورة التي وصلت إلى آفاق لم يكن مشعلوها مستوعبين لها، أضحت القضية الأولى، والعظمى، وساحة اللعب الكبرى، التي تتضاءل عندها كل القوى التي تسمي نفسها عظمى، كي تظهر على حقيقتها التي تصف التوازن الاستراتيجي أنه في خطر.كثيراً ما يتوه المواطن العادي في سؤال مفاده: هل البلد يقودنا؟ أم نحن نقود البلد؟ أم الما وراء هو الذي يحدد خط مسير الأمرين ومرادهما؟ لكنما هو أهم من ذلك التساؤل، هي تلك المصلحة الفردية لكل إنسان سوري، والتي تكمن بدفاعه عن حقه في البقاء حياً، فيكبر انعكاسها على الواقع، إذ إن الحرية كانت منذ سنتين رفاهاً مثل إجازة في هاواي على متن طائرة هليكوبتر خاصة، أما اليوم، فهي مطلب الضرورة القائم على مبدأ: أنا حر، إذاً أنا موجود. وهي مصلحة لا بديل عنها أبداً.ولعل الحلول التي تطرحها فئات المعارضة تصلح لتكون إضافاتٍ ثانويةً لا تعدو كونها رؤى، لن يحق لطارحيها أن يُلزموا الآخرين بها، أما الذي يضع نفسه بصفته مخلِّصاً ومصطفىً وقادراً على أن يكون ملهِماً – كما طرح البعث نفسه في الماضي – فهذا ما أصبح في جينات الشعب السوري ذواكر كي توقفه عند حده لتقول له: كفاك كذباً؛ كلكم تطمعون بالسلطة، كلكم ترون أنفسكم تلك الطليعة المفكرة، لقد سلبْنا منكم زمام المبادرة، أفتريدون أن تسلبوا منا الثمرة؟ ستهوي الأصنام.أما سوريا بكونها ساحة لعب للدول العظمى، فغالباً ما تفرض الساحة شروطها على اللاعبين إن اتصفوا بالحنكة، ولعل من أكبر أسباب بقاء النظام، هو فهم روسيا وإيران لسوريا، وتلبيتهم لشروطها حتى يجيدوا اللعب فيها، نحن هنا لا نتحدث عن الشروط الأخلاقية، فالنزاع الوجودي يبدي الحقائق، وروسيا – للصدفة – ليس ثمة في لغتها كلمة حرام، وهذه معلومة حقيقية، تبوح بمعنى عميق مفاده أننا نحن السوريون نصارع عدواً لا يعرف المحرم، وبالتالي فلن يفعل سوى الممكن، والممكن بنظره هو قتل الأغلبية الثائرة عليه حتى تستسلم، وإرهاب الأقليات المتوجسة من المستقبل الذي من حقها وواجبها أن تكون جزءاً منه، ومن هذا المنطلق فإن السلوك القذر الموصوف، لا بديل له عنه.إيران، لها مراد لا يمكن إغفال أصله التأريخي، هو ليس نزاعاً فارسياً عربياً فحسب، ولا شيعياً سنياً تساند طرفيه قوى عظمى أيضاً، بل هو كلتاهما، مضاف لهما ثاراتٌ لها قداسة عندهم، وهيمنتهم على دمشق سياسياً وعسكرياً لن تكمله سوى هيمنة ديموغرافية، وهذا ما يمهدون له الآن لأخذ الثأر، يريدون إفراغ سوريا من الأكثرية شيئاً فشيئاً، فتصير عاصمة “الأمويين” التقليدية بيدهم، وهذا يعني لولاة الفقيه، طي رمزية الإسلام المقاوم للتبدل، وتكريس مبدأ الإسلام لين فقهياً وعقدياً ووجودياً، والخاضع للتبديل في أصليه: القرءان والسنة.برأيي – وهو برسم التداول – فإن الطبيعة الروحانية لمجتمعنا السوري، لا يمكن إغفالها، والرمزية الدينية لأرضنا أيضاً لا يمكن التغاضي عنها، وكلها تجد لنفسها أثراً على الأرض، نتيجته دوران الإجرام والتقتيل بحق فئة واحدة دون غيرها، لحرف تلك الرمزية عن حقيقتها.تحدي الشرق الروسي الصيني، للغرب الأميريكي الأوربي، لم يستطع أن يُظهِر مدى عمق الخطر التي تعيشه الإنسانية، في دارفور على سبيل المثال، لكن في سوريا، التي تمثل أرضاً ذات قداسة في الدينين المسيحي والمسلم، وخطراً على اليهود المحتلين لفلسطين مذكوراً في نصوصهم الدينية، يجعل الصراع عليها متداخلاً في غايات المتصارعين وظاهراً في مدى عجز الإنسانية عن حل المعضلات الأكثر تجدراً في الثقافة الإنسانية والتي تمس روحانيته في صميمها، ويا للعجب فالأمور تلخصت في وطننا.أما الذي يدعي أن الإرث التأريخي غير حاضر في سوريا، فهو حتماً ينكر لغته وطقوسه كلها، وزيه وطعامه وحتى أهازيج الأطفال في العيد…….سيبقى السؤال الضرورة؛ من يحقُّ له تمثيل سوريا والشعب السوري بصفته محل ثقة، وقادرٍ على مجابهة مرادات الدول العظمى؟ إنه كبيرٌ لدرجة أن مجرد طرح السوريين له يجعلهم يفكرون لوهلة بعدمية جدوى الثورة، هو سؤالٌ ينبغي أن يجاب عنه.سوريا تريد، أفلا يحق لها أن تُخضعنا لمرادها؟ لطالما خَضعت لظلمنا بحق بعضنا وبحقها، وحق القيم الإنسانية، وحينما ثُرنا لأن مصلحتنا تقتضي ألا نحيا سوى أحراراً، وجدَتِ فرصة لكي تُلهِب الدنيا بالصراع عليها الذي لم ينتهِ قط، بل تخدر لعدم جاهزية الدول العظمى له.المصدر: شمس سوريا