ناشطون سلميون يؤكدون دور «اللاعنف» في الثورة السورية
ملاذ الزعبيالإثنين ٦ مايو ٢٠١٣ يتلفت باسل (29 عاماً) يمنة ويسرة، ثم يجول ببصره على النوافذ المطلة على الشارع خشية أن يراه أحد السكان. يمهل الخطى منتظراً إشارة من صديقه الذي يسبقه بنحو عشرة أمتار لاستطلاع المكان، وحالما يتلقاها يسارع في ثوان معدودة إلى وضع ملصق على زجاج سيارة مركونة يدعو من خلاله إلى مواكبة الثورة على النظام السوري.باسل، وهو اسم مستعار، عضو في تجمع «نبض للشباب المدني السوري»، أحد التجمعات والتيارات التي تصر على النهج السلمي في مقاومة النظام السوري، على رغم التراجع الكبير للنشاط اللاعنفي لمصلحة العسكرة والمقاومة المسلحة.من النشاطات التي قام بها تجمع نبض حملات «غرافيتي» في محافظتي حلب ودمشق وتوزيع ملصقات ثورية ومنشورات في أحياء ومناطق يسيطر عليها النظام في دمشق وريفها كـ «الحلبوني» و»الحريقة» و»التجارة» و»القصاع» و»باب توما» و»جرمانا»، إضافة إلى تجهيز مدارس ومراكز تعليمية في أماكن تقع تحت سيطرة قوات المعارضة السورية بالتعاون مع عدد من التجمعات المدنية والمنظمات، عدا عن المشاركة في التظاهرات وفعاليات احتجاجية أخرى في مدن دمشق ودير الزور وحلب وحمص والسلمية بريف حماة.ويستعد التجمع الذي تأسس في حزيران (يونيو) من العام 2011 لإطلاق المرحلة الثانية من برنامج موجه للأطفال من شقين، الأول تعليمي والآخر متعلق بالدعم النفسي، سبق وبدأ في حمص وسينتقل إلى الغوطة بريف دمشق.ويؤكد باسل لـ «الحياة» أن النشاطات السلمية «ما زالت مؤثرة»، ويُرجع تقهقرها إلى «محاصرة النظام للمناطق الثائرة وقصفها, إضافة لانشغال عدد كبير من الناشطين السلميين بالإغاثة أو سفرهم خارج البلد»، مضيفاً أن «التضييق الأمني والحواجز» أديا إلى تراجعها في المدن المسيطر عليها من قبل النظام، فيما يعتب على رفاقه الذين غادروا البلاد بمجرد ملاحقتهم أمنياً، ويشير إلى وجوب تواصل إسهامهم في الثورة ضمن المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر شمال سورية.تتفق جوري (اسم مستعار) مع باسل حول أهمية دور النشاط السلمي واستمراريته «حتى آخر لحظة»، كما تتفق معه على أن «لهمجية النظام» دوراً كبيراً في تراجع الاحتجاجات التي لا تتوسل العنف ضمن وسائلها للتغيير، وتوضح جوري العضو في تجمع «الشباب السوري الثائر» الذي ينشط في حي «ركن الدين» في دمشق أن «أي مكان يشهد حدثاً سلمياً سرعان ما يتعرض إلى حملة مداهمة واعتقالات»، ولا توفر جوري الإعلام من لعب دور سلبي في هذا الخصوص عبر تكريس «صوت السلاح».وتضيف الناشطة ذات التسعة عشر ربيعاً أن «للسلمية دورها بوجود السلاح من خلال التوعية ورفع المطالب الشعبية والطبابة والاهتمام بالمدنيين ورعايتهم»، وتلفت إلى عدد من النشاطات نظمها التجمع أخيراً كان منها جلسة حوارية في بيت أحد الأعضاء حول دور المرأة في الثورة السورية وتظاهرة مناهضة للنظام في المنطقة الواصلة بين حيي «الصالحية» و»ركن الدين» في ذكرى جلاء القوات الفرنسية عن سورية في السابع عشر من نيسان (أبريل).من المظاهر الدالة على تراجع النشاط السلمي، التراجع الكبير في عدد التظاهرات أسبوعياً، فبحسب «المركز السوري المستقل لإحصاء الاحتجاجات»، بلغت التظاهرات الأسبوعية أوجها في حزيران (يونيو) من العام الماضي، حيث تجاوزت 900 تظاهرة في جمعة «أطفال الحولة مشاعل النصر»، قبل أن ينخفض الرقم تدريجاً ليراوح في الأسابيع الأخيرة بين 160 و180 تظاهرة، كما غابت عن المشهد الاحتجاجي التظاهرات السريعة في مناطق حساسة أو بالقرب من المراكز الأمنية التي كان ينظمها في العاصمة السورية «شباب دمشق لبناء الغد» و»اتحاد شباب دمشق للتغيير» نتيجة الانتشار الأمني الواسع واعتقال عدد كبير من أعضائهما، علماً أن سوق مدحت باشا في قلب دمشق شهد تظاهرة لافتة أواسط شهر نيسان (أبريل) في مشهد استثنائي.منظمة «الحراك السلمي السوري»، من أبرز المجموعات الفاعلة في الاحتجاجات السلمية، وأسست بالتعاون مع مجموعات سلمية أخرى تجمع «أيام الحرية» الذي عمل على تبني إستراتجية عصيان متكامل لإسقاط النظام، وشارك بشكل جوهري بالتخطيط و الدعم الإعلامي لإضراب الكرامة في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2011.ونفذ الحراك مشاريع متعدّدة، منها مبادرة «ألوان» الساعية لتعزيز مبادئ المواطنة وهي مبادرة تقوم على مبدأ المواطنة وفتح باب الحوار بين «أبناء الوطن جميعاً ممن لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين»، بحسب ما يقول مدير المنظمة التنفيذي إبراهيم الأصيل.ويشير الأصيل إلى أن المبادرة تقوم على اختيار عينة من ستة أشخاص، ثلاثة موالين للسلطات وثلاثة معارضين وذلك لدراسة إمكان إيجاد صيغة مشتركة ترضي الجانبين من أجل الخروج بسورية من الأزمة وبناء دولة القانون والحرية، مضيفاً أن المبادرة لم تهدف إلى «تغيير مواقف أي طرف من الأطراف.. وإنما الوصول إلى حل ذي أرضية مشتركة يمكن أن يحقق أكبر نسبة من تطلعات وأهداف الجميع بحيث تتفق عليه أوسع شريحة ممكنة من السوريين».وتنشط منظمة «الحراك السلمي السوري» بشكل لافت في المجال الإعلامي، فكانت شريكاً فاعلاً في انطلاق إذاعة (راديو 1+1) عبر شبكة الإنترنت في آب (أغسطس) عام 2011 قبل أن يتوقف المشروع العام الماضي، فيما تعمل حالياً على إنتاج سلسلتين إذاعيتين هما «الاستحمار الإعلامي،» وهو مسلسل كتب منه حوالى عشر حلقات حتى الآن يتحدث عن إشكاليات الإعلام وصناعة الرأي العام بأسلوب حواري بسيط، وسلسلة «العدالة الانتقالية» وهو مسلسل توعوي حول أساليب تحقيق العدالة الانتقالية بكلمات من البيئة المحلية البسيطة، كما تصدر بالتعاون مع فريق جريدة «عنب بلدي» مجلة «طيارة ورق الموجهة للأطفال.يشدد الأصيل على أهمية «تسليط الضوء على النشاطات السلمية التي ما زالت موجودة في الثورة السورية ولكنها لا تسترعي اهتمام الإعلام كما تفعله العمليات العسكرية»، ويؤكد أن «العمل المدني وحده القادر على تحقيق أهداف الثورة السورية بالحرية والكرامة والعدالة بغض النظر عن نتائج الصراع العسكري» كونه «يتيح للشعب السوري إظهار أفضل ما فيه من رقي وإبداع ويسمح لجميع شرائحه بالمشاركة في ذلك». المصدر: الحياة