الواقع الديموغرافي السوري: تغيّرات نوعية

الواقع الديموغرافي السوري: تغيّرات نوعية

February 28, 2013

سلام السعدي27.02.2013بلغت الطاقة التدميرية في سوريا أقصاها أو تكاد. فعلى وقع استنزاف يومي للأرواح والبنى التحتية والاجتماعية، تخوض البلاد أعسر عملية تغيير، يرجح أن تكون نوعية وبنيوية تطال المستويات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للسوريين. يمكن ملاحظة بداياتها مع تشتت السكان وإعادة توزعهم وهجرتهم وارتفاع معدل الوفيات، ما يغير من المؤشرات السكانية في المدن المدمرة، ولا يبدو أن التأثير سيقتصر على زمن الثورة، بل قد يمتد سنوات بعدها.قدّرت البيانات الرسمية عدد سكان سوريا قبل اندلاع الثورة وتحديداً في مطلع العام 2011 بنحو 20.8 مليون نسمة، ارتفع إلى 21.3 في نهاية العام بمعدل نمو قارب 2.4 في المئة، ليرتفع اليوم إلى 21.9 مليون نسمة، كما تشير الساعة السكانية على الموقع الرسمي لـ”المكتب المركزي للإحصاء”، بوتيرة نمو “مستقرة” لأعداد القاطنين في سوريا. ذلك على الرغم من ارتفاع أعداد النازحين والمهاجرين والقتلى بصورة مفزعة. غير أن ذلك لا يضير “المكتب المركزي للإحصاء” الذي تحف شكوك عدة بدقة إحصائياته، حيث يتلاعب بها لأغراض سياسية تجعلها منسجمة مع التصريحات الرسمية. وآخرها اتهام رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، الدول المستضيفة للاجئين السوريين بتقديم “قاعدة بيانات صورية غير حقيقية، بأن أعداد المهجرين أو المتضررين السوريين وصل إلى 600 ألف مواطن”، فيما الأعداد الحقيقية بحسب الحلقي لا تتجاوز 200 ألف. وليس الأمر عصياً على الفهم طالما انه لا يزال في حدود “منطق النظام”. فالمنطق الذي لا يقر بوجود ثورة أصلاً، من باب أولى أن ينفي حالة التشرد التي يعيشها السوريون في أصقاع الأرض. الأكيد أن الموت يتلاعب بأعداد السوريين، تارة بحصاد أرواحهم ليهبط بأعدادهم بصورة مطلقة، وأخرى بدفعهم للهجرة والنزوح هرباً من قبضته، فيسقطهم من أعداد القاطنين لفترة مؤقتة وبصورة نسبية.غير أن طول فترة النزوح وامتدادها لسنوات كما هو حاصل، قد يحولها إلى هجرة، ويجعل من آثارها المؤقتة آثاراً دائمة. هكذا سننتقل من التحولات الكمية ذات التأثير المحدود إلى تلك النوعية الشديدة الأثر، ما يوقظ أسئلة معقدة ومركبة من قبيل: على أي نحو ستستقر التبدلات في تركيبة السكان وتوزعهم ونوعية حياتهم وهويتهم؟ وما أثر ذلك على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟ أسئلة صعبة وضرورية قد لا يتسع المكان هنا إلا لإيقاظها.وبرغم الانخفاض النسبي لمعدلات النمو السكاني خلال العقدين المنصرمين، إلا أنها حافظت على مستويات مرتفعة (وسطياً 2.5 في المئة)، انعكس ذلك على التركيبة السكانية وعلى العاملين، فبحسب مسح القوة العاملة للعام 2009، يشكل الشباب دون الأربعين عام نحو 63 في المئة من إجمالي قوة العمل، فيما شكلت قوة العمل فوق الـ49 عاماً نحو 15 في المئة فقط. وليس متاحاً بعد معرفة أثر الولادة العسيرة لسوريا الجديدة، لكن مع معدلات الوفيات المرتفعة في صفوف الشباب، ونزوح أو هجرة أعداد كبيرة بحثاً عن الاستقرار، ربما تواجه البلاد ضموراً في حجم القوة الإنتاجية كمّاً ونوعاً، وانخفاضاً في المستويات التعليمية والكفاءات الضرورية.أمّا النزوح الداخلي، خصوصاً من الريف إلى المدينة، فقد يعزز من تهميش المناطق الريفية ويؤدي لتراجع إنتاجها الزراعي، فضلاً عن الأثر النفسي الذي يتصل بالشعور بالاقتلاع، وفقدان المجال الحيوي المألوف، والوقوع في براثن عالم غريب، ما قد يولد أشكالاً من الاضطرابات الاجتماعية والسلوكية.لقد بات السوريون مهددون في كل شيء، في لقمة العيش، في قطرة الماء، في المرض والعلاج والدواء، ناهيك عن خطر الموت المباشر الذي يطاردهم أينما حلّوا. هكذا تعرضت الذات السورية وما تزال لضرر جسيم وتبديد خطير ينذر بتغيرها. وفي مقابل هذا الجانب التراجيدي من الحكاية، هنالك سوريون ينشطون كالنحل في كل حي وزقاق، في سبيل ترميم الذات الجماعية والفردية ، وقد يستشهدون على أعتاب هذه المهمة العظيمة. المصدر: المدن