العنف الأسري جريمة تعذيب مستمر

يناير 5, 2022
العنف الأسري جريمة تعذيب مستمر

أية فضيحة تلك أن تتعرض ضحية على مدى سنوات للتعذيب والقهر والعنف العلني ومن ثم تقتل دون أن تستطيع طلب المساعدة أو أن يتدخل أحدهم لإنقاذها. 

أليست فضيحة هذا المجتمع وهذه القوانين والسلطات بالذات، ألا يستحق كل ذلك تعريته قيماً وعادات وتقاليد ونصوص، كم روحاً يجب أن تزهق قبل أن نعي حجم الكارثة التي تعانيها النساء السوريات من ظاهرة العنف الأسري وتعامي القانون عن تجريمه. 

العنف الأسري هو جريمة تعذيب مستمرة مكتملة الأركان، وفي سوريا هو جريمة كاملة ينجو فيها الفاعل بفعلته لأنها مقبولة وليست مستهجنة إلا إذا انتهت بالقتل أو عُرِف أن القتل هو سبب الوفاة وليس شئ آخر. فلا المجتمع يستنكر جريمة القتل الأسري إلا إذا أصبحت علنية، ولا الأسرة مستعدة للتضحية بالقاتل لتحقيق العدالة ولا القوانين تعترف بكل ماسبق، فأي مساعدة قد تلتمس الضحية، وأية عدالة تنشد ؟ 

ما حدث مع آيات مرعب بكل تفاصيله، ما يزيده رعباً أنه كان موجوداً ومستمراً وعلنياً يعرف به الجوار لكن ما من أحد ولا الضحية نفسها استطاعت طلب المساعدة. وذلك معتاد في المجتمع السوري، إذ يحدث كثيراً أن يسمع الجوار صوت استغاثة إمرأة يضربها زوجها ولا يحركون ساكناً تحت حجة (شأن عائلي خاص)، الشرطة نفسها لن تتحرك قبل أن تقوم الضحية بالشكوى تحت حجة (شأن عائلي خاص). 

وذلك ليس ظاهرة غامضة أو جديدة، نحن نتعامل مع مجتمعات تعنف النساء وتعاملهن على أنهن درجة أقل. تحكمنا منظومة قانونية تقدس دستورياً مؤسسة الأسرة دون أي اعتبار لحقوق أفرادها الانسانية الاصيلة خارجها. ومن ثم يأتي القانون لينصب الرجل رأساً للعائلة ويطلق يده على حياة المرأة وجسدها وروحها وعملها ورأيها وأطفالها. 

هل حقاً كانت آيات تستطيع التوجه الى الشرطة، هل هناك مخفر أو شرطي في سورية مدرب على التعامل مع ضحايا العنف من النساء، أليس أفراد الشرطة أنفسهم أبناء هذه المجتمعات ويحملون قيمها وهم أنفسهم قد يكونون معنفين لزوجاتهم. 

ألا تشجع القوانين السورية على الصفح عن المتهم في جرائم العنف الأسري ولفلفة الموضوع إحتراماً لقدسية الأسرة وتفهماً لموقف الرجل الغاضب. 

مالذي ستفعله آيات في قسم الشرطة سوى الشكوى ومن ثم تعرض على طبيب شرعي وفي حال عدم وجود علامات ضرب سيكتفى بطلب تعهد من الزوج بعدم التعرض. 

لا أوامر حماية، لا أوامر زجرية غيابية، لا مآوي حماية للنساء المعنفات، لا خطوط ساخنة لطلب المساعدة مالذي يمكن أن توفره الشرطة لها؟ 

هل حقاً يسهل على الضحية الشكوى وهي تعلم وكلنا نعلم أن أول المخاطر هو أن يلقي الزوج بيمين الطلاق في المخفر أو المحكمة ويطرد الزوجة من المنزل، وهنا تبدأ معاناة من شكل آخر مع عائلتها ومجتمعها وحضانة أطفالها والتي وإن كانت من حقها قانوناً، فنادراً ما رأينا أهل الضحية يقفون في صفها أو يقبلون عودتها مع أطفالها ستسمع جملة (لن نربي له أولاده ) مدوية تشق قلبها الى نصفين على اعتبار أن الاطفال يحملون اسم ابيهم ودمه لا اسمها ودمها!!!

هذا ما تخير به المرأة، العنف أو أولادها، العنف أو منزل يأويها، عنف الزوج أو عنف الأهل فلا مآوي حماية ولا إجراءات حكومية لدعم النساء المعنفات. 

وفي حالات أخرى قد تسقط حقها بالإدعاء وتعود إلى منزل الزوج، وهنا أيضاً الإحتمالات مفتوحة على كل أشكال العنف الممكنة والتي قد تأخذ أشكال اكثر قسوة من التي قبلها وخصوصاً أنه عندما تكون تجربة الشكوى الى السلطات غير مجدية، ستغلق كل ابواب النجاة في وجهها. 

وماذا بعد، في المحكمة ستعامل الجريمة على أنها جريمة عادية فالقانون السوري لا يعترف ولا يعرف جرائم العنف الأسري وبذلك يتم التعاطي مع الجرم بقياسه على جرم آخر، على الرغم من أن القياس ممنوع في القضايا الجزائية، كما أن عدم تعريف الجريمة في القانون يشكل إنكار لوجودها ويغيب دور القانون وهو الآلية الوحيدة الممكنة لقمع الظواهر الجرمية وتكريس الردع العام بمواجهتها وبالتالي حماية النساء منها.

وفي حالة آيات، يجرم القانون القتل وفق أحكام المواد 533 إلى المادة 539 من قانون العقوبات السوري، ويضع عدة أطر لتجريم الفعل المفضي إلى القتل، وتتراوح العقوبة بين الاشغال الشاقة من 15 ل20 سنة أو الاشغال الشاقة المؤبدة ويقرر القانون عقوبة الإعدام في حال كانت الضحية أحد أصول أو فروع المجرم، وبالتالي يستثني الحالات التي تكون فيها الزوجة أو الأخت ضحية. 

لكن التوصيف القانوني المناسب هو أنها جريمة تعذيب مستمرة انتهت بالقتل ضمن إطار عنف أسري ذلك التوصيف الذي لن نجده في القانون السوري، بل ما سنجده هو عدة نصوص قد تخدم الجاني مثل الإيذاء المفضي الى الموت معتبراً أن الإيذاء كان مقصوداً وليس القتل. 

كما أن لإسقاط الحق الشخصي لأهل الضحية ( إذا ما تم فعلاً) مفاعيل في التخفيف من العقوبة، كل تلك الإحتمالات تتجاهل أن الضحية تعرضت لتعذيب مستمر انتهى بالقتل. 

في حين أن العدالة تقتضي أن توقف مفاعيل تخفيف العقوبة عند اسقاط الحق الشخصي في حالات القتل ضمن إطار العنف الأسري، كما أن القانون العادل يجب أن يفترض قرينة القتل العمد طالما كان الفعل جزء من أفعال أخرى سبقته تشكل جرائم عنف أسري لا أن نترك للقاتل المجال للهروب من العقاب الذي يستحقه عبر اعتبار جريمة القتل تجب ماقبلها من افعال وكأنها منفصلة عنها غير مرتبطة بها. 

والمثير للحفيظة في هذه القضية هو تصريح المحامي العام الأول بدمشق بأنه تم القاء القبض على المتهمين والتحقيقات جارية، مطمئناً القلوب ومهدئاً الخواطر وكأن ماحدث مع آيات هو جريمة متفردة لا نسمع بها إلا كل حين. 

إذاً بالصدفة قد لا ينجو قاتل آلاء من فعلته، لكن غيره الكثيرين أفلتوا من العقاب، وغيره كثيرين مازالوا يمارسون جرائمهم تحت غطاء قدسية الأسرة وقد لا نسمع بهم. 

يوماً ما سيشرع قانون ضد العنف الأسري في سوريا مدعماً بآليات تطبيقه قائماً على حماية مصلحة الضحية وتشجيعها على الشكوى لكن قبل ذلك كم من الضحايا ستخسر حياتها وكم ضحية تتعايش مع هذا النوع من التعذيب، وأية مجتمعات تنمو وتتكاثر على العنف والقتل والإيذاء اليومي المعتاد. 

المحامية: رولا بغدادي