العنف الجنسي بقوة السلاح في سوريا بحق النساء: أحد أدوات القمع السياسي والإمعان في تفكيك وإفقار المجتمعات والنساء
في محاولتها لتقديم مقاربة نسوية قائمة على التحليل الجندري لجرائم العنف الجنسي في سوريا، سعت منظمتي “دولتي” و”رابطة النساء الدولية للسلام والحرية” إلى التنسيق الحثيث والمستمر مع منظمات نسوية سورية تعمل في الداخل السوري وفي دول الجوار ، وذلك عبر عقد جلسات تخطيط وتدريب تبعتها سلسلة من الجلسات الاستشارية الميدانية مع نساء سوريات لاجئات أو نازحات أو نساء مؤثرات على المستويات القاعدية، لسبر آراؤهن وتحليلهن النسوي لموضوع العنف الجنسي. شارك في هذه الجلسات الاستشارية أكثر من ٦٠ سيدة في كل من إدلب (سوريا) والبقاع (المرج) (لبنان) وغازي عنتاب وأورفا (تركيا)، بتيسير من قبل المنظمات الشريكة : الناجيات السوريات، زنوبيا، نقطة بداية، حررني، ضمة، نوفوتوزون. وكان لهذه المنظمات إضافة نوعية كبيرة في تحديد سياق ومضمون ومسار الاستشارات الميدانية، وفي تنظيمها والتعقيب على نتائجها. كما كان لمنظمة “نساء الآن” دوراً بارزاً في تقديم الاستشارات التقنية والمساندة خلال فترات العمل الميداني التي سبقت هذه الورقة وحضّرت لمضمونها، كما في رفد نتائج الجلسات الاستشارية الميدانية بمعطيات ساهمت بشكل كبير في بلورة مصداقية الورقة وانسجامها مع المطالب النسوية السورية.
تمثلت الغاية من هذه الاستشارات بالدفع باتجاه سلة مطلبية نسوية فيما خص التصدي للعنف الجنسي في سوريا تنظر إلى تشابك الآثار والعوامل العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ونتائجها ليس على النساء كأفراد وحسب، بل وعلى كليّتهن ومكانتهن وموقعيتهن السياسية والاقتصادية في المجتمع وتالياً توجيه المطالب فيما خص هذه الآثار والنتائج على أدوار النساء خلال المرحلة الانتقالية وما يرافقها من أشكال العدالة الانتقالية من منظور جندري.
تحاول هذه الورقة، باختصار، تقديم مقاربة لجرائم العنف الجنسي في سوريا من منظور نسوي تحليلي – جندري، يحاول التأثير في نطاق معالجة قضايا العنف الجنسي في سوريا ومقاربتها لتنتقل من مرحلة توصيف الإشكالية إلى تحليل آثارها الجندرية، فلا تقتصر على سرد أشكال العنف الجنسي وأماكن حدوثه والأطراف المنخرطة به أو على رصد والآثار “الفردية” التي طالت النساء، بل تتجاوزها لتنظر إلى البعدالهيكلي (الاجتماعي – الثقافي، الاقتصادي والسياسي) وترصد آثار العنف الجنسي على مكانة وموقعيات النساء السياسية والاجتماعية من ناحية، وتربط ذلك بالاقتصاد السياسي للحرب والعنف الجنسي وآثاره على تكريس هذه الموقعية السياسية “الدونية” للنساء.
وعليه، فإنه وعلى أبواب المرحلة الانتقالية في سوريا، قد يكون من المهم رصد ومعالجة الآثار الجمعية للعنف الجنسي بشكل جندري جذري، ليس على النساء كمجموعة فحسب، بل على تقاطعاتها مع السياقات السياسية والمكانات السياسية الجماعية للنساء كما على الأبعاد الاقتصادية، لا سيما فيما خص الاقتصاد السياسي واقتصاد الحرب والعنف الجنسي، وما تشكله البنية الثقافية والاجتماعية الذكورية من أرضية خصبة لتعزيز هذه الإقصاءات.