الشرف العسكري

الشرف العسكري

سبتمبر 17, 2012

شجاع الشامي17.09.2012 كنت عائداً من عملي إلى البيت عصراً , متخذاً ذلك الطريق السريع الذي يصل شمال العاصمة بجنوبها, وعادة ما أقوم بتشغيل المذياع على إذاعة لندن حتى لا يفوتني أي خبر من أخبار الثورة السورية . لقد كان يوماً حاراً مما اضطرني إلى تشغيل مكيف السيارة علماً بأنني نادراً ما أقوم بتشغيله حرصاً على الوقود الذي بدأ يشح شيئاً فشيئاً نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد .وأنا على الطريق وإذا برتل عسكري يتألف من أربع سيارات دفع رباعي وخمس شاحنات مملوءة بالجنود قد دخل إلى الأتوستراد من إحدى المفارق الفرعية فأصبح ذلك الرتل يسير أمامي ببطئ وقد شغل كامل عرض الطريق بحيث صار تجاوزه أمر مستحيل فاضطررت أن أسير خلف هذا الرتل .لم يكن رتلاً عادياً , ما لفت نظري واستفزني بشكل كبير هو ماكان يفعله أولئك الجنود داخل تلك الشاحنات , لقد كانوا يغنون ويرقصون ويدبكون فرحاً وكأنهم عائدون من نصر عظيم , لقد كان الفرح يملأ وجوههم , يلوحون برشاشاتهم إلى الأعلى وهم يتعانقون ويقفزون بشكل جعلنى أتساءل عن سبب هذا الفرح الذي يملؤهم , أهي فرحة النصر أم أنها فرحة البقاء على قيد الحياة بعد أن خاضوا معركة طاحنة مع الثوار .بصراحة استفزني هذا المشهد كثيراً , وما لفت انتباهي هو أن الأمر استثار أيضاً جيراني من السيارات التي كانت تسير أمامي , إذ كنا نرنوا إلى بعضنا البعض وحالة الوجوم قد ظهرت على وجوهنا , حتى أن بعض السائقين قد حاولوا عبثاً أن يتخطوا هذا الرتل لكن لا فائدة , قدرنا أن نمضي تلك الدقائق خلف هذا الرتل العسكري الكرنفالي الاستعراضي , لم أجد مخرجاً فرعياً أهرب منه ولم أكن أستطيع التوقف ريثما يمضي ذلك الرتل مبتعداً , ياله من جحيم هذا الذي أنا فيه , حاولت تجنب النظر إليهم حتى أنني رفعت صوت المذياع حتى لا تصل إلى مسامعي كلمات أغانيهم وأهازيجهم التي كانوا يرددونها .أي أناس هؤلاء ؟ أي نصر هذا الذي حققوه؟ والله لو انهم استعادوا الجولان أو حتى حرروا القدس لما ابتهجوا وفرحوا ورقصوا وغنوا هكذا ….ماذا فعلوا ؟ وبينما كنت مستغرقاً وغائصاً في بحرٍ من علامات الاستفهام والتعجب, وقد جنبت نفسي النظر إلى هؤلاء المهرجين قاطعتني نواقيس بيغ بن على المذياع , إنها نشرة الأخبار , وكان الخبر الأول كالعادة ومنذ أكثر من سنة هو الشأن السوري , رفعت صوت المذياع : أنباء عن مجزرة وقعت برصاص الجيش والأمن السوريين في إحدى قرى حلب . لقد كان الخبر الأول .يا إلهي مجزرة أخرى , مجزرة أخرى تعني رتل كرنفالي آخر يمشي في إحدى شوارع حلب أو ريفها يحتفل بالنصر المبين الذي حققه على الأطفال والنساء ..ياله من يوم عصيب هذا .لم أتمالك نفسي قررت أن أظهر غضبي وحنقي على هؤلاء القتلة وأخذت أنقل سيارتي من يمين الرتل إلى شماله غاضباً عاقداً حاجبي وأنا أنظر إليهم وقد التقت عيني بعيني أحد هؤلاء الراقصين الذي أحس بمدى حقدي وغضبي فأخذ يرفع لي حاجبيه متهكماً قاصداً إغاظتي أكثر وأكثر وقد تعمد أن يقفز بقوة وهو رافع رشاشه…… ولكن مهلاً ماذا حدث ….إنها سيدارته العسكرية نعم لقد طارت من رأسه بفعل الهواء وهاهي تهوي لتقع على الطريق ….على الإزفلت, بعد أن قفز محاولاً الإمساك بها دون جدوى .يا إلهي , قلت في نفسي : إنها السيدارة العسكرية ومن منا لا يعرف ما الذي تعنيه السيدارة العسكرية ؟ من منا لا يتذكر مدرب الفتوة في المدرسة الذي كان يستقبلنا كل صباح ليتفقد تلك السيدارة وبدلة الفتوة والبسطار العسكري . وكيف كان ذلك المدرب يرغي ويزبد ويبدأ بتوجيه الشتائم والسباب إذا نسي أحد التلاميذ إحضار سيدارته معه , لا زلت أذكر تلك الكلمات: أيها الأحمق ألا تعلم أن هذه السيدارة هي شرفك العسكري ؟ كيف تضيع شرفك ؟ إنها أغلى من أمك وأختك .نعم إنه شرفه العسكري وهاهو يتهاوى ويسقط على الطريق , أحسست بشيء من التشفي والشماتة لوقوع تلك السيدارة وتعمدت النظر إليه نظرة المتشفي وقد بدت على شفتي ابتسامة خبيثة مليئة بالانتقام , نعم الانتقام , لم أكتفي بالنظرة والابتسامة , لقد قررت أن أقوم بعملية نوعية , لم يكن سلاحي فيها الرشاش ولا الآربي جي , كان سلاحي هو عجلات سيارتي , فعلى الرغم من أن السيدارة وقعت على يمين الطريق وأنا أسير في أقصى اليسار إلا أنني قررت أن أدوس على السيدارة بعجلات سيارتي حتى أجهز على ما تبقى من شرف هذا المجرم .الذي لا يستحق أبداً أن يحظى بشرف أن يكون من حماة الديار .انعطفت بشكل فجائي ومغامر من أقصى يسار الطريق إلى أقصى اليمين مضايقاً كل من كان يسير على يميني ومتجاوزهم لأصل إلى هدفي , تلك السيدارة , وفعلاً تمكنت من دهسها وتمت العملية بنجاح فعلت كل ما فعلت وعيني لم تفارق عيني ذلك الجندي صاحب السيدارة الذي أبدى نظرات الاستغراب من نظرات النصر التي بدت على وجهي , لكن انعطاف الرتل وخروجه من الطريق السريع قطع تلك النظرات المتبادلة , وقطع علي متعة التشفي من هذا الجندي ورتله الاستعراضي المبتذل , إلا أن هذا لم يمنعني من الاستمتاع بنشوة النصر لما تبقى لي من الطريق إلى منزلي , نشوة جعلتني أطفيء المذياع في السيارة حتى أنني أتذكر أني في ذلك اليوم لم أشاهد الأخبار كعادتي ولم افتح صفحتي على الفيسبوك مما أثار شكوك زوجتي .نعم لقد اكتفيت في ذلك اليوم من نصر حققته بيدي على ذلك الجندي المتهكم الدنيء وزملائه الذين رقصوا على أشلاء السوريين وجثثهم .لم أشاهد التلفاز يومها ولم أسمع أي خبر حتى ظهر اليوم التالي , عندما كنت أقلب في قنوات التلفاز إذ استوقفني ما أسموه (تقرير ميداني) على إحدى محطات النظام مذيعة تجري لقاء على الهواء مباشرة مع طفلة على حضن أمها المتوفاة حيث تسأل المذيعة الطفلة: من الذي قتل أمك يا حبيبتي؟وقتها أكتشفت من أين كان أولئك القتلة عائدون , وأدركت أن مافعلته أمس لم يكن له أي قيمة أو معنى ….عن أي شرف عسكري أتكلم؟المصدر: كبريب