جدلية الثورة بين العنف واللاعنف
تعلمنا من التاريخ أن التحرر من الأنظمة الديكتاتورية ليس بالأمر المستحيل, بل بحدود الممكن, ورصدنا هذا في عدة دول مثل ألمانيا الفلبين تونس مصر وغيرها. وكان العامل المشترك بين هذه الدول للتخلص من أنظمتها هو “النضال اللاعنفي”. ويعود هذا المفهوم الى عام 494 قبل الميلاد في روما, عندما حَجب العامة تعاونهم عن أسيادهم النبلاء.سايكلوجية اللاعنفيقول القانوني جون اوستن “إذا قررت غالبية المواطنبين القضاء على الحكومة, وتوفرت لديها الرغبة في تحمل ممارستها القمعية تصبح قوة الحكومة غير قادرة على حماية نفسها “. على ذلك, يساهم العمل السلمي بخلق وسائل يستطيع الجماهير من خلالها حشد القوة في مواجهة قمع الأنظمة الشمولية. وعلى الجماهير الثورية المُطالِبة بالتحرر من تلك الأنظمة بدايةً, التّوحد, وأن تعي ما تريد, وتتحمل ردة فعل النظام التي ستكون عنيفة لامحالة, وللأحزاب السياسية والمنظمات الغير حكومية والمجتمع المدني دوراً رئيساً في توعية الجماهير ونشر هذه الأفكار. حسب فرويد ” في حالة الفرد وسط جمهور, يتلاشى الوعي ويحل محله اللاوعي, مما يجعل الفرد محض إنسان آلي تعجز إرادته عن تسيره ويتماهى مع المجموع”. فإذا كان العقل المجتمعي لدى عامة الجماهير يؤمن باللاعنف وينبذ العنف, لن يستطيع الأفراد الخروج عن السرب, وإنّ خرجوا, سينبذبون. قد يتم الترويج أن اللاعنف يأخذ وقتاً طويلاً, و العنف أسرع, وهذه فكرة خاطئة, رأينا عكس ذلك في مصربـ18يوم . وقد تُروج أفكار, بأنّ النضال اللاعنفي ينجح إذا استُخدم فقط ضد الأنظمة الديمقراطية, وهذا الطرح خاطئ أيضاً, لأن الأساليب اللاعنفية نجحت في مواجهة أكثر الأنظمة وحشية وديكتاتورية مثل النازية والشيوعية. وهنالك نقطة مهمة, أنّ استخدام العنف كأسلوب للنضال يتميز الطاغية دائماً بالتفوق فيه. وهذا ماحصل في سورية, بعد أن استمر العمل السلمي قرابة سبعة أشهر, حتى نجحت الأجندات الإقليمية والدولية بالمشاركة مع “المعارضة السورية” التي رهنت نفسها لهم, بنشر الأفكار التي تدعو الى اسقاط النظام بالسلاح, ومجابهته بالعنف, وكان تحريض النظام السوري على ذلك واضحاً منذُ الأيام الأولى.بحسبان الاحتجاجات السلمية قضّت مضاجعهُ. حتى عمل السوريين بعكس القول المأثور “لا تعمل أبداً مايريده عدوك أن تعمله ” بالتالي نجح النظام بجر الجماهير الى ملعبه وميدانه ألا وهو العنف .مثالب العنف نسيت المعارضة السورية أو تناست أنّ التسلح و حرب العصابات, تؤدي إلى نزوح ومعاناة جسيمة, وهذا ما نشهده الآن, وأنها تستمر فترة طويلة و إمكانية فشلها واردة, أضف لذلك أنها ليست الطريق المعبد للديمقراطية فهي غالباً ما تُخلف بعد سقوط الديكتاتورية نظاماً جديداً أشد بطشاً. ناهيك أنها توقع خسائر بشرية هائلة, وما حصل بالكفاح الجزائري ضد المحتل الفرنسي يبين ذلك, حيث قُتل مليون شخص من مجموع سكان 10 مليون, بينما في كفاح الهند اللاعنفي ضد بريطانيا لم يُقتل غير 8 الاف من 200 مليون من مجموع السكان. ولاحظنا ذلك بأعداد الشهداء في سورية خلال أشهر العمل السلمي كيف ضُربت الأرقام بعشرة بعد التسلح . إنّ دعوة المعارضة للتسليح والتبرير له يعود لسببين: إما الجهل بأن الخيار المسلح لا يؤثر في الديكتاتورية والتغاضي عن نتائجه,, أو تنفيذاً لإملاءات غربية, ووعود منها بالتسليح والدعم العسكري. جدير بالذكر أنّ عامة الجماهير سريعة التأثر والتصديق, وعواطف الجماهير بسيطة على الدوام وسريعة التأجج, مما جعلها تتحمس للتسلح والعنف, والمسؤولية في ذلك على من دعى وحرضَّ. وأكثر من ذلك, هل يوجد لدى المعارضة خطة واضحة المعالم لبناء نظام ديمقراطي بعد الانتهاء من الديكتاتورية؟؟ أم همها الوحيد هو إزاحة النظام والجلوس مكانه دون رسم خارطة طريق مستقبلية او تقديم صورة ترقى بتضحيات السوريين.لنفترض جدلاً أنه لاخيار سوى التسلح ولابد من العنف. يحب أن يكون مُنظّم و له استراتيجية واضحة, ويتبع لقرار سياسي, وأجندة وطنية, ويكون قادراً على ملئ الفراغ الذي تخلفه السلطة, وهذا أبعد ما يكون عن الواقع السوري حالياً, فإنا نرى عمل مسلح عبثي, وتسليح خارجي, وابتعاد عن الهدف الأساسي, وقتال بين أطراف المعارضة, المتعددة الرؤى والانتماءات والولاءات .حتى الآن نتائج العنف واضحة وهي سلبية عموماً, وأكبر الخاسرين مما يحصل هم السوريون, وعليهم التيقن أنّ الصراع الحالي ليس صراعهم ولا معركتهم, ولا تمت لآمالهم بالحرية والتغيّير, لأنه كما ذكرنا هكذا صراعات غالباً لا تنتج الحرية, بل على العكس من ذلك. وعلى السوريين تذكر إحدى الأغاني التي أطلقوها في الحراك السلمي “بدنا نشيلو لبشار وبهمتنا القوية ” . وقد يقول قائل أنّ هذا الكلام فات أونه بعد الصراع الحاصل, لكنه من باب التذكير, بأن العمل اللاعنفي ليس خيار ساذج وإنما أنجع الوسائل لتفكيك الديكتاتورية. ولايوجد قوة خارجية تمنح الشعوب الحرية التي تطمح اليها, وعلى الشعوب الحصول عليها بنفسها, والحرية لا تأتي مجاناً, والثورة التي لا تصنع الحرية يجب التفكّر بمعناها. محمد زيكار