مقتول لا يعرفه أحد
لميس الجسيم17.09.2012 يحيط الموت بالسوريين أكثر من الهواء المفترض تنفُسه ، أخبار الموت و القتل تلاحقهم وتملأ رؤوسهمويتلقون أخبار قتل من يحبون أو يعرفون أو يجهلون بذات الذهول أمام الموت ، يصمتون لحظة ويشتمون لحظة أخرى ، يحقدون أحياناً ، يكتبون في ( حساباتهم في فيسبوك ) أشياء تشبههم تارةً و لا تنتمي لهم أحياناًولكن هو المقتول لم يعد موجوداً على تويتر لتغرد له ، و لا على فيسبوك لتكتب حالة موجهة له ، فبمجرد وفاته يُسلم كلمات سر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي للنسيان و لكنهم يصرّون على كتابة كلمة ما لأجلهالموت أقرب مما تخيل في سورية ، وهذا الموت الذي ينتمي إلى لحم ودم يوجعهم كثيراً “تحدثنا البارحة ، قضينا أكثر من ساعتين عالسكايب أنا وهو ، لا يمكن ، لا تزال صفحته موجودة ، صورته الأخيرة توحي بالكثير و لكني لم أفهم أنه سيغادر، كان يضحك كلما اشتد القصف فوقه ..” كلمات تسمعها ممن فقدوا مقرباً تواصلوا معه البارحة أو منذ أسبوعالجميع معرّض للموت ولكن لا موت يشبه الآخر ، فمن لمحته في الجامعة منذ سنة وتمنيت لو حدثته أكثر عن تفاصيل غير مهمة و استشهد منذ لحظات ، و من كان صديقاً تحتذي به و تكاد تجزم بحاجة سورية لعشرات السنين لإنجاب من يشبهه ، لا يشبهان ذلك الذي رأيت صورته للتو و كان يوم تعارفك به هو يوم موته..ندرك تماماً أن من رحل لن يقرأ ما نكتب ، لكن ربما لأن الموت شأن يخص الأحياء أكثر من الموتى نكتب ، و نفرغ كل سمومنا على من كان السبب ، نكتب لأنفسنا لنشعرها بأننا فعلنا شيء تجاه من لم نستطع حمايته حتى بأظفارنانكتب ونكتب و يعلو صوت النواح الافتراضي علّه يعانق رثاء والدة صديقنا المقتول فيبدو خجولاً جداً جداًيغصُّ الواقع السوري حتى اللحظة بأكثر من 20ألف شهيد ، 20 ألف حلم و حياة و فكرة ومشروع خسره السوريون ،و عندما يغزر الموت بهذا الشكل تجد مقتولين لا يذكرهم أحد ، فمنهم من لم نعرف اسمه حتى اللحظة ومنهم من لم نستطع رثائه و بكائه ولا يملك حساباً فيسبوكياً لنأخذ صورته و نوثق حياته و نخبر العالم عنه و لم نعرف حتى بغيابه ، فنجد أنفسنا مذنبين لأننا لم نشعر بعد بأنه رحل..هذا هو المقتول الذي لايعرفه أحد و لا أحد يتذكر تفاصيل حياته ، و لا يوجد من يخبرنا عن شعوره أثناء القصف ، هل له حبيبة تبكيه اليوم ؟ ومع من كان يقف؟ هل فكر بسورية الجديدة يوماً ؟ هل فكر بالنزوح أو اللجوء ؟ كم من الأطفال لديه ؟لكل الذين لم نغرد لغيابهم ، و لم نكتب شيئاً عنهم ، و لم نبكهم بصمت خشية أن يمسكنا أحدهم متلبسين بهذا الجرم ، و لم نصرخ ونشعر بألم في معدتنا بعد فقدانهم ، و لم نرى أحلاماً من بطولتهمنعتذر إن لم نكتب عنكم شيئاً و لكن كلمة في سرّكم هذا العالم افتراضي جداً وواقعية فقدانكم أكبر من هذا الافتراض .. المصدر: Facebook