بيان لـ “دولتي” عن حادثة التحرّش الجنسي
نقرأ اليوم وببالغ الأسف الشهادات التي تتحدث بالتفصيل عن حالات تحرش واعتداء جنسي قام بارتكابها المدعو عهد مراد وهو موظف سابق في دولتي.
على الرغم من إطلاعنا مسبقاً على بعض الأحداث المفصلة في تقرير التحقيق، وتصرُّفنا الفوري بعد تلقي بعض تلك الشكاوي، إلا أننا تفاجأنا بحجم وعدد حالات العنف الجنسي التي ذكرها التقرير والتي وقعت إبان عمله في دولتي وبعده.
أولاً، وقبل كل شيء، نودّ أن نُعرب عن دعمنا للضحايا/الناجيات اللواتي تحدثّنَ بشجاعة عن تجاربهن. ويسرُّنا أن نرى المتحرش وقد فُضح أمره أخيراً أمام المجتمع والرأي العام.
كما نودُّ أن نعرب عن أسفنا العميق لما مرت به الضحايا/الناجيات، ونقول لهنّ: إننا في غاية الأسف لأنكنّ مررتنّ بهذا الألم بينما كنتنّ تناضلنّ من أجل حقوق الإنسان والمساواة والتسامح والتنوع. ونودُّ إعلامكنّ أننا مستعدون/ـات لتوثيق تجاربكنّ ودعمكنّ إذا أردتنَ القصاص. كما أننا وفي نفس الوقت، ونظراً لأية عواقب محتملة نتيجة التحدث في هذه الأمور في مجتمعاتنا، نتفهّم ونحترم قرار الضحايا/الناجيات اللواتي لا يرغبن في التحدث الآن أو لا رغبة لديهن في القصاص. ونَعدُ ببذل كل ما بوسعنا لدعم من تقرّر التحدث إلينا، بما في ذلك إخفاء هويتهنّ، و الاحترام الكامل دائماً لاختياراتهن بشأن الإجراءات التي ينبغي اتخاذها.
فور علم دولتي بالادعاءات عن انتهاكات الجاني، تم التعامل مع الموضوع على الفور وبكل جدية، واتخذنا خطوات فورية تخص وجوده في مكان عملنا. كما قمنا بالتحري عن البيئة التي سمحت بالتحرش والاعتداء الجنسيين في منظّمتنا . لكننا، رغم ذلك، نقرُّ أيضا أنه كان يتوجب علينا القيام بالمزيد. وكان ينبغي علينا أن نحذّر المزيد من المنظمات، على أقل تقدير، ممّا حدث في مؤسسة دولتي، وأن نتخذ مزيداً من الخطوات الاستباقية لتنبيه المجتمع الأوسع إلى سلوك هذا الشخص.
إضافة لاعتذارنا من الضحايا/ الناجيات من الاعتداءات الجنسية التي قام بها المدعو عهد مراد، نود أيضاً أن نقدم اعتذاراً لمجتمعنا وشركائنا في المجتمع المدني. فربما كان تقصيرنا قد آلم موظفي/ات المؤسسات الشريكة وأصحاب الحقوق سيّما أننا لم نناقش الموضوع بالقدر الكافي مع موظفينا/ موظفاتنا. ولذلك نعرب عن أسفنا لموظفات وموظفي دولتي، الحاليين/ات والسابقين/ات، لفشلنا في توفير حماية أفضل في مكان العمل. فنحن نتعلم ونعمل بشكل مستمر على وضع سياسات وآليات في منظمتنا لتجنُّب مثل هذه الإخفاقات في المستقبل، ونتشاور مع منظمات أخرى حتى نتمكن من مكافحة الاعتداء الجنسي في بيئة عملنا وفي المجتمع المدني السوري ومجتمعاتنا بوجه عام.
الشكاوى واستجابة دولتي
تلقّت دولتي في ٢٠١٨ شكاوى اتّهمت المدعو عهد مراد بارتكاب تحرش جنسي أثناء تأديته لمهامه في دولتي. وقامت إدارة دولتي على الفور بالتحقيق في الادعاءات بحق الموظف. وأُمِر بالتوقف الفوري عن المشاركة في الفعاليات والاجتماعات التي قد تجعله على تواصل مع صاحبات الشكاوى. كما أجرت لجنة داخلية مقابلات مع ثلاث نساء ادّعين تعرضهنّ للتحرش الجنسي ومحاولات للاعتداء ارتكبها هذا الشخص وأكدت على مصداقية إدعاءاتهنّ.
حين وُوجِه بهذه الادعاءات، هدد الموظف المذكور بفضح الضحايا/ الناجيات وبمقاضاتهنّ ومقاضاة دولتي. ولأن دولتي تؤمن بأن اتخاذ أي إجراء يجب أن يُبنى على قرار الضحايا/ الناجيات ومراعاة رغبتهن في تجنّب الكشف عن هوياتهن، قررنا عدم نشر الشكوى على الملأ. لكننا، وبسبب المسؤولية الملقاة علينا لتأمين بيئة عمل آمنة، قررنا إنهاء عقد الموظف المذكور.
ونظراً لخوف الضحايا/ الناجيات من فضح هويتهن على الملأ ولتفادي التبعات القانونية المتعلقة بالتشهير دون وجود دعوى قضائية تدعم ذلك، لم يكن في وسعنا فصل عهد بتهمة التحرش الجنسي. لذلك، وبناءً على نصيحة محامي المؤسسة، قمنا بإلغاء منصب الموظف المذكور. وتماشياً مع قانون العمل اللبناني، كان علينا أن ندفع له تعويضاً بمقدار شهر عمل واحد عن العام الذي عمل فيه لحسابنا، والذي أُضيف إلى دفعة راتبه النهائي. ولم تقم دولتي بمنح الموظف المذكور أي تعويض آخر، ولم نقدم له رسالة توصية شفهية أو مكتوبة. ولكننا نعترف بأن هذه الإجراءات لم تكن كافية لمنع حدوث إساءات مستقبلية من قبله.
بعد فصل الموظف المذكور، أبلغنا بعض الشركاء والجهة المانحة للمشروع المعني عن مسار هذه القضية وشرعنا كذلك بتطوير سياسة خاصة لمكافحة العنف الجنسي وسياسة أخرى تهدف إلى الحماية من هكذا حوادث والتصدي لها في المستقبل. كما تحدثت دولتي بصراحة وشفافية تامة حين طُلبت توصيات من الجهات المانحة الحالية والمحتملة عن عهد مراد، وهو أمر معتاد فيما يتعلّق بشخصيّة أو مهنية موظّف سابق. وفيما بعد علمنا بادعاءات لحوادث إضافية من التحرش والاعتداء الجنسيين من الموظف المذكور، والتي نعتبرها أيضا ادعاءات ذات مصداقية. ورغم أننا اتخذنا إجراءاً حاسماً فيما يتعلق بعمل هذا الشخص مع دولتي، إلا أننا لم نعلن عن سبب فصله. وربما يكون ذلك قد ساهم في استمراره في الإستفادة من المنصب والشرعية التي اكتسبها في المجتمع السوري المدني بفضل فترة عمله معنا.
تحديات محاسبة مرتكبي العنف الجنسي في المجتمع المدني السوري
تقوم دولتي بالتشاور مع العديد من خبراء/ خبيرات قضايا النوع الاجتماعي والحماية فيما يتعلق بالحادثة المذكورة، وما يمكننا فعله، ليس فقط للتصدي للعنف الجنسي في مكان العمل والبرامج التي نتحمل مسؤوليتها، ولكن أيضاً للنظر في الطرق التي يمكننا من خلالها المساعدة في حماية النساء ومحاسبة الجناة في الفضاء الأوسع للمجتمع المدني ومجتمعاتنا بشكل عام. يواجه المجتمع المدني السوري تحديات عدة في هذا الصدد، بما في ذلك العمل أحياناً كثيرة في مواقع معرضة للخطر من الناحية القانونية في سوريا والدول المجاورة، وتجنُّب جذب انتباه قوات الأمن والنظم القانونية السائدة. نحن، كمجتمع، نعمل ونعيش في أماكن غالباً ما تكون النظم القانونية فيها تمييزية ضد السوريين بشكل عام وتمييزية ضد المرأة بصورة خاصة، ما يصعِّب متابعة دعوى التحرش في المحاكم والحصول على الدعم القانوني لمثل هكذا دعاوى.
إضافة إلى ذلك، نحن نعمل في مجالٍ تواجه فيه كثير من النساء تحديات قانونية واجتماعية، سواء كان ذلك بسبب عجزهنّ عن الحصول على إقامة في البلدان التي يعشن فيها أو عدم قدرتهنّ على العمل بشكل قانوني، أو مواجهة ضغوط مجتمعية لمنعهنّ من العمل أو المشاركة في الفعاليات وورش العمل في الحيّز العام. يعرف الجناة ذلك جيداً ويستغلونه. فالجناة يعرفون كم يصعب على الشابّة إقناع والديها، بغض النظر عن مدى “انفتاحهما”، السماح لها بحضور ورشة عمل في مدينة أو دولة أخرى. ويعرف الجناة أيضا كم يصعب على النساء اللواتي فقدن أزواجهن إعالةُ أسرهنّ وتحقيق استقلالهنّ الاقتصادي والاجتماعي وسط ضغوط للعودة إلى منزل أهلهن، والتخلي عن أطفالهن والزواج مجدداً. هم يعلمون أن فضيحة صغيرة في مكان عمل النساء يمكن أن تؤذيهنّ أكثر مما تؤذي الجاني، والتي غالبا ما تأتي مع أسئلة حول ما كانت الضحايا/ الناجيات يرتدينه أو قلنه أو فعلنه للفت النظر بهذا الشكل. ونتيجة لذلك، قد تميل النساء إلى إخفاء هويتهن أو الاحتفاظ بتجاربهنّ لأنفسهن.
من المهم أن نشجع النساء على المضي في إنشاء مساحات آمنة لهن للحديث عن تجاربهن وتقديم الدعم الذي يحتجنه لإدارة صحتهنّ العاطفية والذهنية والجسدية. ولكي يحدث ذلك، يتوجب علينا، في دولتي ومنظمات المجتمع المدني السوري بشكل عام، تطوير آليات وممارسات أقوى، يلتزم بها المجتمع ككل، والتي تواجه العنف الجنسي وتخلق ثقافة المساءلة والعدالة داخل مجتمعنا. ونظراً للطبيعة غير المستقرة لوضعنا القانوني ووضع من نعمل معهنّ، والطبيعة التمييزية والقاصرة للأنظمة القانونية التي نعمل في ظلّها معظم الأحيان، نحتاج إلى إجراء مناقشة شفافة حول كيفية منع التحرش الجنسي والعنف في مكان العمل والمجال العام.
نحن بحاجة إلى التفكير بجدية وبشكل خلّاق في السياسات والأنظمة والشبكات التي نضعها بشكل رسمي وغير رسمي لضمان أماكن عمل وأماكن عامة آمنة وتمتاز بالاحترام، وكذلك لضمان محاسبة الجناة في العمل ومنع إفلاتهم من العقاب.
اعتمدنا في دولتي مؤخراً سياسة بشأن النوع الاجتماعي، نلتزم فيها بتوفير بيئة عمل آمنة وتسعى إلى تمكين جميع موظفينا/ موظفاتنا، ومكان عمل حساس للنوع الاجتماعي ويعترف بدور الرجال والنساء باعتبارهم/هنّ متساوين/ات في كونهم/ـهنّ لاعبين/ـات ووكلاء/ات وقادة تغيير في أسرهم/هن ومجتمعاتهم/ـهنّ. وقد وضعنا بعض الطرق التي سننفّذ من خلالها ذلك في سياساتنا وممارساتنا التنظيمية. وكذلك في البرامج والتواصل وحملات المناصرة، بما في ذلك تطوير سياسات وآليات لمكافحة العنف الجنسي في مكان العمل.
كفريق واحد، ما زلنا نتعلم ما يعنيه هذا على أرض الواقع، وكيف سنحتاج إلى التغيير والعمل بجدية أكبر لجعل دولتي مكاناً ملتزماً حقاً بالعدالة بين الجنسين. مع التأكيد على أن الالتزام بالمساواة بين الجنسين والمشاركة السياسية للنساء كانا دائماً جزءاً من رؤيتنا ورسالتنا كمنظمة وجزءاً أساسياً من معتقداتنا كفريق. وإذ نكافح لضمان ذلك داخل مؤسستنا، نعلم أننا قد لا ننجح دوماً في تحقيق ذلك.
إن خروج هذه الشهادات الى العلن قد يتيح لنا الفرصة جميعا، كمؤسسات في المجتمع المدني السوري والبلدان المضيفة وكناشطات وناشطين وإعلاميات وإعلاميين، أن نتعاون معا في تطوير سياسات وأُطر أكثر فعالية لضمان أن تكون مساحات المجتمع المدني السوري ومجتمعاتنا بشكل عام، أكثر أماناً. وأن نعمل معا على تطوير أنظمة قانونية تحمي الناجيات والضحايا، وتمكننا جميعا من أن نتصدى لهكذا انتهاكات بالحزم والسرعة المناسبة.