10 أوهام لدى السوريين .. لكنها عقبات
حازم نهارخاص كلنا شركاء10.01.2013 ثمة عددٌ من الأوهام التي تعشش في رؤوسنا كسوريين، على اختلاف مواقعنا أو انتماءاتنا، لكن هذه الأوهام تشكل اليوم عقبات جدية في طريق عبور سورية نحو المستقبل، أي نحو تحول سورية إلى دولة وطنية ديمقراطية، دولة مستقرة وآمنة، ولجميع مواطنيها: 1- وهم حدوث تدخل عسكري خارجي بالمعنى المباشر، سواء رفعنا صوتنا عالياً مطالبين به، أو أنهكنا أنفسنا بشعارات رفض التدخل العسكري، والفترة السابقة دليل كاف لمن يفكر واقعياً بعيداً عن الرغبات، لذا من الأفضل عدم التعرض لهذا الأمر لا بصيغة الطلب ولا بصيغة الرفض، فالصيغتان غبيتان ولا قيمة لهما.2- وهم القدرة على الحسم العسكري دون وجود توافق دولي إقليمي حول المرحلة الانتقالية، فالنظام غير قادر على حسم المعركة، لكنه قادر على الاستمرار بالقتال إلى زمن غير معلوم، ومجموعات المعارضة المسلحة لا تستطيع لوحدها إنهاء النظام لكنها قادرة على استنزافه بشكل دائم.3- وهم الاعتقاد بأن الوضع في سورية هو حرب طائفية أو مذهبية، إذ على الرغم من أن النظام وبعض المعارضة يحاولان دفع الأمور في هذا الاتجاه، ورغم وجود بعض الحوادث المستنكرة التي تدلل على ذلك، فإن العنصر الرئيس الذي لا يزال مسيطراً على اللوحة العامة هو حرب من النظام ضد السوريين، وثورة سورية ضد النظام وليس ضد طائفة معينة.4- وهم إمكانية ذهاب أي طرف من أطراف المعارضة للتفاوض مع النظام دون حفظ الحد الأدنى من متطلبات الثورة، فالنظام بغروره وعنجهيته أغلق الباب على كل المعارضات، وبالتالي لا تستطيع أي معارضة إجراء أي حوار معه، لأنها إن فعلت فستكون خارج دائرة المعادلة السياسية ولن يكون بإمكانها إقناع السوريين بسلوكها.5- وهم استمرار النظام بكل آلياته وأجهزته وأركانه ورموزه، ووهم زوال النظام بكل آلياته وأجهزته وأركانه ورموزه، فأي مرحلة انتقالية ناجحة وتحافظ على سورية كدولة لابد أن تأخذ في الاعتبار عدم إمكانية استمرار سورية دون مشاركة جزء من النظام القائم في مرحلة انتقالية، وهذا الجزء يصغر أو يكبر استناداً لموازين القوى على الأرض أولاً، وموازين القوى الإقليمية والدولية ثانياً.6- وهم الاعتقاد بإمكانية إقامة دولة إسلامية أو دولة خلافة أو حكم سياسي إسلامي في سورية، إذ سواء كان البعض مع هذا النمط من الدول أو ضده فإنه غير ممكن في سورية، والنمطان الوحيدان اللذان يستطيعان جمع السوريين بتنوعهم الكبير هما الدولة الوطنية الديمقراطية والدولة الاستبدادية. الأولى تجمعهم بوصفهم مواطنين أحراراً، والثانية تجمعهم بوصفهم عبيداً كما كان في السابق، لكن هذه الدولة أصبحت مستحيلة.7- وهم إمكانية إقامة دولة علوية في سورية، فهي دولة غير قابلة للتطبيق أو الحياة، لا دولياً ولا اقتصادياً ولا جغرافياً ولا ديمغرافياً، والأهم أنها ستكون مرفوضة من الغالبية العظمى للسوريين بكل انتماءاتهم ومهما كانت مواقعهم واختلافاتهم.8- وهم الاعتقاد بقدرة الأكراد في سورية على الانفصال عن سورية والالتحاق بدولة كردية (لأن ذلك يحتاج إلى توافق روسي أميركي أولاً، وتوافق إيراني تركي عربي ثانياً، وكلاهما غير متوفرين، فضلاً عن عدم وجود عوامل مساعدة على الأرض جغرافياً وديمغرافياً، والأهم أن الأصوات الكردية الداعية للانفصال لا زالت محدودة.9- وهم الاعتقاد أن سورية ستستقر مباشرة حتى لو رحل النظام، فهناك ضريبة سندفعها، لكن يمكن التخفيف من حجمها بإجراءات وآليات عديدة يفترض أن تحوز على اهتمام كبير من الجميع، على أن العنصر الأساسي في تخفيف حجم الضريبة هو الطريقة التي سيغادر فيها النظام. يرتبط بذلك وهم آخر هو وهم القدرة على خلق سلم أهلي في سورية دون تحقيق فكرة العدالة الانتقالية، أي لا يمكن تصور أن تتحقق حالة سلام مجتمعي ومصالحة وطنية حقيقية دون ضمان جانبين أساسيين هما: المحاسبة القضائية العادلة من جهة، والتعويض المادي والمعنوي على المتضررين من جهة ثانية.10- وهم الاعتقاد بأن الثورة يمكن أن يتضافر حولها معظم السوريين وتنجح في اجتذاب بقية فئات المجتمع السوري دون وجود قيادة سياسية حقيقية، موثوقة، وتحظى بالاحترام. فالمعارضة كانت في الحقيقة عبئاً على الثورة ولم تستطع أن تشكل بوصلة سياسية قادرة على جمع السوريين حولها من جهة، وعلى ضبط إيقاع الثورة ومسارها وحركتها من جهة ثانية.ويبقى الوهم الأكبر هو الاعتقاد أننا نسير في الطريق الصحيح في الوقت الذي لا نزال نحمل فيه الأوهام السابقة في رؤوسنا.في الواقع نكتشف عملياً أننا نصرف الكثير من وقتنا حول الأوهام، نفكر فيها ونختلف حولها، ثم نتعارك وننقسم ونتشظى استناداً إليها أو من أجلها، وتكون الحصيلة كوارث لا تنتهي، ولا نكتشف عبثية قناعاتنا وأعمالنا إلا بعد فوات الأوان.أول الغيث هو في رمي الأوهام في المزبلة، وتحرير العقل من أسرها وتحكمها، والانطلاق نحو التعامل مع الحقائق والممكنات، فكلنا –بشكل أو بآخر- مصابون بداء الانفصال عن الواقع. ولنعلم أن تقليص مساحة الوهم في حياتنا يحتاج إلى إجهاد عقولنا قليلاً، لكنه يحتاج بدرجة أهم إلى الكثير الكثير من جهاد النفس، وذلكم أعظم الجهاد. المصدر: كلنا شركاء