قصة العلم: العلم الوطني وعلم الثورة والعلم الكردي
حازم نهار11.11.2012 رأيت مشهدين مزعجين اليوم.الأول يتعلق بتغطية الجزيرة مباشر لدخول الجيش الحر لرأس العين، عندما قام أحد أفراد الجيش الحر برمي العلم الوطني السوري في حركة مليئة بالاستهزاء ليرفع بدلاً عنه علم الاستقلال/علم الثورة.الثاني يتعلق بالمواطن السوري الذي كان يرفع العلم الكردي وقام بنهره أحد أفراد الجيش الحر، إذ لم يكن التصرف مقبولاً ولا الردود التي قرأتها مقبولة، فما هكذا تورد الإبل.بالطبع إن كان هناك من ملامة على هذه السلوكيات جميعها فإنها تقع بالتأكيد على النظام السوري الذي نشر الأمية السياسية وقَزَّم الروح الوطنية. وهناك ملامة أيضاً على القوى السياسية المعارضة التي تركت كل مشاكل مجتمعها، القائمة والمحتملة، وتفرغت للعبة الكراسي والمحاصصات، دون أن تقوم بشيء يذكر على مستوى تجاوز الثقافة الاستبدادية.كدلالة على الأمية السياسية في مجتمعنا، أذكر أننا كنا مجموعة أطباء في دورة للخدمة العسكرية الإلزامية، عددنا حوالي 135 طبيباً، وقد وزعوا علينا شعار العلم السوري كي نضعه على صدورنا، والغريب أن الغالبية العظمى منا ارتبكت في طريقة وضع العلم واتجاهات الألوان.في مقاربتي للمشهد الأول لابد من التنويه في البداية أن علم الدولة هو شعار يدل على الدولة وتاريخها وشخصيتها، وبمعنى ما على الهوية الوطنية الجامعة، وغالباً ما يتم اختيار ألوان العلم ورموزه ليعبِّر بوضوح عن هذه الأشياء الثمينة.العلم الموجود اليوم هو علم سورية وليس علم النظام، وله دلالات لا زالت عزيزة عند قسم من السوريين، لأنه العلم الذي كان معتمداً للجمهورية العربية المتحدة، فالأحمر في المستطيل العلوي يرمز للنضال والثورة ودماء الشهداء، والأبيض في الوسط للأمويين، والأسود في الأسفل للعباسيين، أما النجمتان الخضراوان فترمزان لوحدة القطرين الشمالي سورية، والجنوبي مصر.أما علم الاستقلال الذي أصبح علم الثورة، فلا تختلف ألوانه من حيث الدلالات، إذ يرمز اللون الأخضر للإسلام والأبيض للدولة الأموية والأسود للدولة العباسية، ويرى آخرون أن اللون الأبيض يرمز إلى المستقبل المشرق والأسود إلى حقبة الاحتلال والأخضر إلى مروج سوريا الخضراء، أما دلالات النجوم الثلاث الحمراء فترمز عند البعض إلى العلياء والبطولة ودماء الشهداء، وعند البعض الآخر ترمز إلى سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي وهم قادة الثورة السورية الكبرى. في الحقيقة كنت أتمنى، كما كتبت منذ 14 شهراً، اختراع رمز ما للثورة لا يضعها في موقع من يرفع علماً في وجه علم آخر كما حدث، وهو ما أظهر السوريين وكأنهم شعبان في بلد واحد، شعب الثورة وشعب الموالاة، مع ملاحظة أن الصامتين والحياديين بقوا على هذه الحال دون علم، وكأنهم ليسوا سوريين. وبالطبع فقد زاد هذا الأمر من الخطوط الفاصلة الحادة بين السوريين. كان يمكن على الأقل الاحتفاظ بالعلمين ورفعهما معاً بدلاً من الدخول في صراع حولهما أو إهانة أي منهما على يدي أحد الطرفين. في أحد اجتماعات المعارضة حاولنا وضع العلمين معاً، على اعتبار أن أحدهما هو العلم الوطني والآخر هو علم الثورة، لكن تشبيح بعض “المعارضين” الجدد حال دون ذلك، الذين تعاملوا –ولا زالوا- بفهم مبتسر لمعنى المعارضة والثورة. فالمعارضة والثورة عندهم لا تعنيان إلا التبرؤ من تاريخ نصف قرن لسورية، وكأنهم يعاقبون أنفسهم بطريقة مرضية عن هذه الفترة الطويلة، دون تمييز بين ما يخص النظام السوري وما يتعلق بالوطن والدولة.يزيد الطين بلة عندما نسمع بعض الأصوات التي تنادي بوضع عبارة “لا إله إلا الله” على علم الثورة، وهو توجه أقل ما يقال عنه إنه تعبيرٌ عن الهبل السياسي وضيق الأفق، بل وعن الضحالة الإنسانية والوطنية في آن معاً، لأن هذا التوجه لا يعني إلا إخراج السوريين المسيحيين وغيرهم من دائرة الثورة والوطن. فكل نظرة أو سلوك يهدفان إلى تغليب الخاص على العام لا يخدمان الثورة بالضرورة، ولا يعبران بالتالي إلا عن حالة موتورة وعصابية.يجدر بنا الانتباه إلى أن العلم القادم للدولة السورية في المستقبل سيكون معبراً بالضرورة عن كل السوريين كي يستحق اسم “العلم الوطني”، أي لن يكون علمَ المعارضة والثورة ببساطة، فالمشاركة في الثورة لا تفرض حقوقاً مسبقة لأصحابها، أو امتيازات على حساب غيرهم من السوريين في دولة المواطنة المتساوية.وفي مقاربتي للمشهد الثاني المتمثل بقيام أحد عناصر الجيش الحر في رأس العين بمنع أحد المواطنين من رفع العلم الكردي، فلا يسعني إلا القول إنه سلوك خاطئ بالتأكيد. وبالمقابل كانت الردود على هذا السلوك من قبل بعض المواطنين السوريين الأكراد خاطئة أو انفعالية على أقل تقدير.وباعتقادي فإن جذر وأساس هذا الخطأ المزدوج يكمن في انعدام الثقافة السياسية لدى السوريين بحكم حالة الأمية السياسية التي قام النظام السوري بتعميمها. إذ لا يوجد فهم للمفاهيم والمعاني السياسية الحديثة كمفاهيم الدولة والعلم الوطني والمواطنة والشعب والمجتمع السياسي والمجتمع المدني.الدولة تعبير عن الوحدة والمركزية، والمجتمع المدني والسياسي كلاهما تجسيدٌ للتنوع والتعددية، ومن البديهي القول أن الوحدة والتعددية لا معنى لأي منهما دون الآخر. إذ إن وجود الدولة الموحدة المركزية لوحدها لا يفضي إلا إلى دولة استبدادية تقتل المجتمع والمواطن، وتقتل نفسها في المآل. وكذلك فإن وجود المجتمع التعددي المتنوع دون وجود دولة مركزية لا يفضي إلا إلى الفوضى وموت المجتمع والدولة معاً.من غير المقبول على مستوى الدولة ومؤسساتها ونشاطاتها رفع أي علم إلا العلم الوطني الذي يعبِّر عن وحدة جميع السوريين وعن وجود الدولة السورية الموحدة. أما على مستوى المجتمعين المدني والسياسي (مجتمع القوى السياسية) فينبغي أن تكون الحريات الفردية والجماعية مصونة، ومن حق الجميع رفع الأعلام والشعارات التي يريدونها، مع الانتباه إلى ضرورة ألا يصب ذلك في إطار التحريض الطائفي أو التحريض العنصري، إذ سيكون من حق الدولة التدخل في هاتين الحالتين للحفاظ على السلم الأهلي.لذا من حق الأكراد رفع علمهم في ميدان المجتمع المدني والمجتمع السياسي، أي من حقهم الخروج في تظاهرات سلمية رافعين علمهم، ومن حقهم رفع العلم الكردي في بيوتهم وفي مقار الأحزاب الكردية والمنظمات المدنية الكردية في أي بقعة على الأرض السورية، وليس فحسب في أماكن سكنهم.لكن بالطبع من غير المقبول، من الأكراد وغيرهم، رفع العلم الكردي أو سواه في مؤسسات الدولة والمقار الحكومية، كالوزارات والجيش والأمن والقضاء وغيرها، فهذه الأماكن لا تستوعب إلا العلم الوطني المتوافق عليه. من غير المعقول مثلاً في سورية المستقبل أن يذهب وزير خارجية سورية –فيما لو كان من السوريين الأكراد- إلى لقاء يمثل فيه سورية ويلتقط الصور وهو يضع العلم الكردي خلفه.من غير المقبول أيضاً إطلاق المناشدة الغريبة التالية على لسان عدد من الأكراد السوريين كرد على سلوك أحد عناصر الجيش الحر: “نطالب السيد مسعود البرزاني بالسماح للقوات الكردية من الضباط والمجندين الكرد المنشقين عن النظام المتواجدين في إقليم كردستان العراق بدخول الأراضي السورية وحماية المواطنين الكرد من غزوات الجيش الحر على المناطق الكردية والتسبب في تهجير سكانها”. فالأجدر هو التوجه بالشكوى لقوى المعارضة الموجودة حالياً، العربية والكردية، ومحاولة البحث المشترك عن وسائل وآليات لتجاوز الأخطاء ومنع تكرارها، إن كنا معنيين ببناء وطن واحد ودولة واحدة.نحن بحاجة كسوريين للبحث عن القواسم المشتركة وتفعيلها والبناء عليها، ولا بد للثلاثية المقدسة: “الدولة السورية الموحدة، الشعب السوري الواحد، المواطنة المتساوية” أن تكون الأساس في سلوكنا وتصرفاتنا وتوجهاتنا، ودونها سنتحول إلى سديم بشري يضيع في أصقاع الأرض والسياسات.المصدر: facebook